سهير صقر تكتب: اغتراب الهوية
الأم تصنع الأولاد ، أما الأب فيصنع الرجال.
ولكن إذا قامت الأم بدور الأم والأب معا في نفس الوقت لغياب الأب فسوف ينتج عن ذلك اضطراب في الهوية . والشئ المؤكد إن العلاقة الفاترة والهشة بين الأب والابن تؤدي أيضا إلي اضطراب في الهوية.
فإذا كانت الأم في مرحلة الطفولة هي الأقرب إلي الأبناء ، وهي التي تلبي معظم احتياجاتهم فهي بذلك تمثل لهم أول نزعة عاطفية ، ولكن في مرحلة ما من مراحل النمو نجد أنه لابد من انفصال الولد عن الأم ليتجه نحو الأب ، وهنا يجد الولد صعوبة بالغة لإنه يتعين عليه أن يتكون بداخله نزعة مختلفة عن سابقيها ، وهذا بخلاف البنت فالأمر بالنسبة لها سهلا لأنه ليس من الضروري لها أن يكون لها ميلا أو اتجاها بعيدا عن الأم،
ولذلك فنجد اغتراب الهوية واضطرابها ينتشر لدي البنين أكثر منه عند البنات .
وفي الحقيقة مهما كان دور الأم مهما ، فإن دور الأب بالغ الأهمية في عملية النمو الطبيعية وتكوين الهوية الجنسية لأولاده . ورغم ذلك نجد
إن إنهاك الأب في العمل أو السفر أو ممارسة أي نشاط آخر حتي ولو كان ترفيهي، فهو وإن صح التعبير أسلوب هروبي من المسؤلية التي حباه الله بها ، كل تلك الأمور أصبحت من أولويات الأب مما أدي الي هشاشة العلاقة بينه وبين الابن وما يترتب عليها من شعور الابن بالاضطراب والغربة عن هويته .
وقد يرجع السبب أيضا في اختلاف الطباع بين كل من الأب والابن ، مما يؤدي لوجود مسافة وتباعد يزداد شيئا فشيئا إلي أن ينعدم بينهم التواصل تماما ليصل لمرحلة غربة حقيقية بين الأب وابنه وهم يعيشون تحت سقف واحد .
إن الأولاد يحتاجون لوجود الأب القوي ليكون مركز الثقة لابنه والذي يراه قدوة ويطمح في تقليده ، ولكننا عل النقيض نجد اهمال وتجاهل وعدم احتواء وعدم وجود عاطفة بين الأب وابنه مما يؤدي لوجود تنشئة أسرية غير سوية تنذر بوجود خطر في شعور الابن بهويته الحقيقية ، فالرجولة انجاز ، نعم فالولد بالفطرة التي خلقه الله عليها ذكر ، أما الرجولة فهي انجاز يقوم به الأب من خلال السلوك والفكر والعلاقات وطريقة حل المشكلات .
كل ابن لديه ثلاثة احتياجات مهمة من الأب وهي : الاشباع العاطفي ، الاهتمام القبول والرضا ، وعندما لا يقوم الأب بهذا الدور بالشكل المقبول وبعدم تلبية تلك الاحتياجات ، فإنهم يشعرون بأنهم غير مهمين وغير مرغوب فيهم ، وهذا الشعور يسبب لهم الألم والضيق ويقلل من تقديرهم لذاتهم .
كل ابن لديه حنين إلي حب الأب واحتضانه له، وتوجيهه وارشاده ، ووجوده الحقيقي في حياته ، وإذا لم تتوفر كل تلك الأمور للأسف تبدأ العلاقة في التلاشي والانتهاء ، وتسقط رمزية الأب لديهم وهذا أمر بالغ الخطورة ، إذ نجد هؤلاء الأبناء عند الكبر لا يحبون أن يكونوا مثل أبائهم ، ومن هنا يعلنون صراحة تنازلهم عن فطرتهم الطبيعية بأن يكونوا ذكورا . وبالتالي يتجنبهم الأطفال الأسوياء مما يشعرهم بالوحدة والعزلة والإنطوائية ، والشعور بالدونية وأنهم ليسوا ذكورا بالقدر الكافي . وتنشأ لدينا شخصية مضطربة الهوية.
يظهر ارتباك واضطراب الهوية في فترة ما قبل المدرسة وهي فترة مبكرة ، ومن علاماتها هي الرغبة في ارتداء ملابس النوع الآخر والميل إلي اللعب معهم .
كما أنهم يعانون من مشاكل اجتماعية ونفسية مثل القلق والاكتئاب والانطواء ، مزاجهم متقلب ، متذمرون ، يسهل استثارتهم يشعرون بعدم السعادة باستمرار ،
منعزلون عن جماعة الرفاق ولا يشاركون في اللعب وإنما يكتفون بالنظر إليهم من بعيد .
لا يحبون ممارسة الرياضة أو الكرة ويخشون العنف ، وهذا يؤثر في ثقتهم بأنفسهم وعلاقتهم بجماعة الأقران وعلي هويتهم الذكورية .
وتكوين صورة مشوهة عن هويتهم مما يجعلهم يبحثون ويميلون لأقرانهم الذكور .
اقرأ أيضاً
سهير صقر تكتب: العجز المكتسب.. وعلاقته بالصحة النفسية
سهير صقر تكتب: مثلث الحب
سهير صقر تكتب: عقلية الضحية
سهير صقر تكتب: في بيتنا مراهق
سهير صقر تكتب: عمي الألوان
سهير صقر تكتب: ( شخصيتك والألوان )
سهير صقر تكتب: كشف حساب
سهير صقر تكتب.. سيد قرارك
سهير صقر تكتب.. القوامة.. وكفتي الميزان
سهير صقر تكتب.. انتبهوا أيها السادة
سهير صقر: وماذا بعد؟
سهير صقر تكتب: كلمتين وبس
هذا كله يعتبر جرس إنذار لكل أب وكل أم للخطر الذي يحدق بابنهم فيما بعد .
ولكن كيف الخلاص والنجاة من هذا الاغتراب والارتباك للهوية ؟ كيف يكون هناك نمو طبيعي وصحي ؟
إن الأطفال الأسوياء الذين يمرون بالنمو السوي يكون بداخلهم احساس وترابط قوي بين هويتهم وبين تكوينهم البيولوجي ، وهناك تناغم بين الجسم والعقل والروح .
وعندما يدرك كل من الآباء والأمهات بالدور والمسؤولية الحقيقية المطلوبة منهم، وتوفير جو أسري آمن ،وتلبية احتياجات أولادهم المعنوية قبل المادية ، ووجود القدوة الرجولية الصحيحة ، وادراكهم لحجم المشكلة التي يعاني منها أولادهم نتيجة إرتباك الهوية، هنا يتفقان علي العمل معا لمواجهتها وحلها والبحث عن الخبرة والارشاد النفسي المناسب ، ومن هنا سيكون هناك أمل لتحقيق هوية ذكورية سوية وهو هدف قابل للتحقيق .








