سهير صقر تكتب: عمي الألوان
(أكون أو لا أكون) . أصبح مبدأ التعامل والعلاقات بين البشر في كل مجالات الحياة.
الكثير منا وللأسف أصبح مصابا بما يسمي عمي الألوان، أبيض أو أسود، إما مكسب وإما خسارة، إما فريقي وإما فريقك، إما أنا وإما أنت، صراع مستمر، مشاعر دامية.
هذه الرؤية المحدودة في التفكير وفي اتخاذ القرارات وفي حل المشكلات، علي المستوي العام أو الخاص ،لا تؤدي بنا إلا لطريق مسدود، أصبح الخلاف أكثر من الاتفاق، أصبح كل منا يسمع ليرد لا ليفهم ويناقش، كل منا يسمع ليصدر أحكاما علي غيره، يتأمل لينتقد، يتفحص ليبحث عن عيوب غيره كما لو كان هناك الكمال، كل منا متشبث برأيه كما لو كان قرآنا منزل من السماء، كل منا ينصح ويوعظ وهو أحق بالوعظ وبالنصيحة ، كل منا يري نفسه ملاكا لا يخطئ ولا يمتلك عيوبا . وأسوء شئ هو إضفاء السلبية علي كل شئ ، والاستهانة بمشاعر الآخرين. أصبحنا لا نري إلا القبح ، ولا نتلفظ إلا بالكلام اللاذع ، لا جمال ولا ألوان ، زادت الفجوة أكثر وأكثر بين الآباء والأبناء ، زادت القسوة والقطيعة بين الأزواج . تحولت العلاقات إلي صراع وعدوانية .
لا ود ،ولا حب، لا تراحم ، ولا تفاهم، ولا أي من الأطراف يحاول أن يتفهم الوضع.
انهارت البيوت وضاعت الاجيال . لا أخلاق ولا تربية ولا قدوة ،ولا نقطة إلتقاء.
فإذا آلت بنا الأمور إلي هذا المنعطف ، هنا يمكن القول بأن، واحد + واحد = صفر ، لأننا لا نخرج بنتيجة ذات قيمة ، قد تبدو للبعض إنها مكسب ولكنها في الحقيقة هي خسارة.
وهنا وجب علينا أن ندرك بأن هناك أطراف أخري تعيش معنا علي نفس الكوكب ، وفي نفس البيت وفي نفس العمل ، هناك طرف آخر غيرنا له رأي وله فكر وله وجهة نظر ، قد يكون علي صواب وقد يكون علي خطأ ، ولكن يجب أن يحترم ويؤخذ بعين الاعتبار ، لأن الألوان ليست أبيض أوأسود فقط.
لابد من وقفة مع النفس قبل أن نخسر كل شئ ولنكتشف نقاط قوتنا ونقاط ضعفنا، كيف يمكن أن نساعد غيرنا كيف نمنحه حرية التعبير وحرية الرأي، كيف نحافظ عل ما تبقي، ماذا نقدم للآخر ؟ وكيف يكمل كل منا الآخر؟ كيف نصبح فريقا واحدا وليس فريقين ؟ كيف نصبح قلبا واحدا ورأيا واحدا ؟ وإن الاختلاف بين الناس سنّة من سنن الله.
قال -تعالى-: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" وقول الله - تعالى -: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ " ، هنا يمكن لنا أن نري جميع الألوان، وهنا يمكن أن نقول بأن واحد + واحد = ٢.
لأننا كسبنا أنفسنا وكسبنا الآخرين ( مكسب ، مكسب ) هنا يكمن التكامل بين الناس، هنا تكون الحياة.
