السيناريست عماد النشار يكتب: نُصُب ”الإنسان” المجهول


ليس الجندي وحده من يستحق أن يقام له نصب تذكاري، ذاك الذي قدم دمه وروحه فداء للوطن في ساحات القتال،فهناك آخرون، جنود مجهولون لا تقل تضحياتهم عظمة، خاضوا معارك من نوع آخر، معارك لا تنقل على الشاشات، ولا تدون في كتب التاريخ، لكنها محفورة في جدران الحياة اليومية.
هم أولئك الذين حملوا الوطن في قلوبهم، لا على أكتافهم فقط، خاضوا معركة الكرامة والشرف في ساحات العمل، في صفوف التعليم، في ردهات المستشفيات، في حقول الزراعة، في المصانع والمتاجر،وساحات المحاكم، وبلاط صاحبة الجلالة وخلف الميكرفون ، وأمام الكاميرا ، بل حتى في بيوتهم حيث ربوا أجيالا بعزة وصبر، دون ضجيج أو انتظار للثناء.
هم الذين حافظوا على مبادئهم في وجه الفساد، ورفضوا الانحناء أمام الإغراءات، وعملوا بصمت في مواقعهم بكل إخلاص وإتقان، لم يسعوا إلى أوسمة، بل كانت وسامتهم في جباههم العالية، وقلوبهم المضيئة ، هم من غرسوا فسائل الخير حتى آخر يوم في أعمارهم، يملأهم الإيمان بأن ما يقدمونه واجب لا مكرمة.
اقرأ أيضاً
السيناريست عماد النشار يكتب: الهجرة النبوية الشريفة بين نور الرسالة وظلمة الواقع
السيناريست عماد النشار يكتب: الأورام والرحمة.. حين يكون الشفاء من القلب قبل الطب
السيناريست عماد النشار يكتب: عايزه يورانيوم يا إبراهيم…!
السيناريست عماد النشار يكتب: خالد عبدالعال.. نصيب من اسمه
أخطاء شائعة في استحمام الأطفال ونصائح ذهبية لصحة بشرتهم
السيناريست عماد النشار يكتب: الاسم ”جيكل” والفعل ”هايد”!
السيناريست عماد النشار يكتب: الجاثوم والحاسوب وجهان لسطوة واحدة
السيناريست عماد النشار يكتب: جبرتي القرن ومستقبل الدراما
السيناريست عماد النشار يكتب: لجنة صنع الله إبراهيم لمستقبل الدراما!
السيناريست عماد النشار يكتب: سماء من ورق
أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح: لماذا على الآباء أن يكتبوا القايمة لحماية بناتهم؟
السيناريست عماد النشار يكتب: وَهُمْ مِنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغْلِبُونَ
هم الذين مدوا يد العون دون أن يطلب منهم، وربتوا على أكتاف المرهقين، ونصحوا الحائرين، ووقفوا مع من أعياه الظلم، واحتضنوا من أسقطته الحياة،هم من مسحوا دموع من تخلى عنه الحظ، أو من دهسته الواسطة، أو سحقه النفوذ والمال، لم تكن تضحياتهم بطولات تسرد في نشرة الأخبار، بل كانت فواتير تسدد من رواتب زهيدة، أقساط مدارس، روشتات علاج، احتياجات لا تنتهي.
لم يملكوا سيارات فارهة، ولا سكنا في الأحياء الراقية، ولا حسابات بنكية دولارية وودائع ، لكنهم امتلكوا نفوس أبية، وقلوبا تسع العالم، وأرصدة من الحب والاحترام والاعتزاز بالنفس، عاشوا حياة بسيطة، لكنهم خلفوا أثرا لا يمحى، لم يعلقوا شهادات التقدير على الجدران، بل علقوها في ضمائر من عرفهم وعايشهم.
هؤلاء صمدوا في أماكنهم بشرف وعزة نفس ، الصحفي الذي خاض معارك من أجل إظهار الحقائق وكشف المستور، الذي استل قلمه وقاتل بحروف شجاعة، وواجه المجهول في سبيل نشر الحقيقة،دون النظر إلى العواقب،الكاتب صاحب الفكر والإبداع الذي أنار دروب الحاضر واستشرف المستقبل، وفتح لنا أبوابا كانت مغلقة،المحامون الذين دافعوا عن المظلومين، ووقفوا في وجه الباطل بكلمة الحق، لم يبيعوا ضمائرهم، ولم يغلقوا أبوابهم في وجه من لا يملك أتعاب ، بل جعلوا من مهنتهم رسالة للعدل، لا وسيلة للكسب فقط،كذلك الموظف الذي لم يرهق الناس أو يعطل مصالحهم، بل كان مثالا للتفاني في العمل دون أن ينتظر كلمة شكر،العامل البسيط الذي لا يملك إلا ابتسامته الطيبة، والتي كانت تهون على الجميع مشاق الحياة اليومية.
الآباء الذين أفنوا أعمارهم ليضمنوا لأبنائهم حياة كريمة، والأمهات اللواتي ربين الأجيال على الكفاف والكبرياء، والمعلمات اللاتي أنرن العقول في الفصول المنسية، والممرضات اللواتي سهرن على آلام الآخرين، والعمال الذين لم تنصفهم الأيام، لكنهم بقوا على عهدهم مع الحياة.
أنه من العدل أن نقيم لهم نصبًا تذكاريًا،لا من حجر أو برونز، بل في قلوبنا، حيث لا يتفتت الامتنان ،ولا تصدأ الذاكرة، أن نحكي لأبنائنا عن حائط بطولاتهم المنقوش عليه ما بذلوه من مالٍ قليل، وصحة منهكة، وعمر أفنوه في رصانة وشموخ ، ومشاعر نبيلة لم تنتظر شكرًا. أن نروي مناقبهم كضوء يهدينا حين نتوه عن معنى الشرف، ونستلهم من كبريائهم الهادئ درسًا في النزاهة والثبات،فلنحتفي بهم لا مرة في العام، بل في كل لحظة نحتاج فيها إلى قدوة صادقة، وسلوك نقي، وإرث من نور ،فهل نكون على قدر هذا الإرث؟.
اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا، وكل من أحسن إلينا، وكل من عاش عظيمًا في الظل ورحل في صمت.