تمارا سعد تكتب.. جميعًا نشعر بالدونية


لا تندهش إذا قلت لك أننا جميعًا نشعر بالدونية تجاه بعضنا البعض "هذه حقيقة علمية"!، ولحظة من فضلك انتظر التوضيح ولا تتسرع في الرد:-
"نظرًا لتنوع المواهب والقدرات والمميزات مع اختلافها ومستوى اجادتها من شخص لآخر، فقد ينعكس هذا علينا بالإحساس بصغر النفس تجاه من يمتلك شىء نحن لا نمتلكه.. وعليه تعد "الدونية إحساس فطرى يصيب الجميع"، فلا تأخذك الدهشة فالحقيقة العلمية أثبتت أن كل فرد يشعر بالدونية كجزء من كينونته!.. وفى علم النفس هذا إحساس طبيعي!.. وأين اذن تكمن المشكلة؟! الخطر كل الخطر هو الإفراط في الإحساس بالدونية فكلما سيطرت على شخصياتنا كلما زادت معاناتنا وتراكمت مركبات النقص داخلنا لتصبح النتيجة سيئة تجعل من البعض مرضى دونية!. يرفضوا التركيز على بناء شخصياتهم.. ويعملوا على تجميع كافة قدراتهم والعمل بها من أجل مقاومتهم لنجاحات غيرهم.. هذه العدوانية تضيف الى معاناتهم معاناة قاسية وهو عذاب الإحساس بالغيرة المرضية المدمرة.. والتي منها يسعى مريض الدونية بقوة لتدمير المميزين والمحبوبين والمتفوقين أصحاب الطلة والكاريزما، والسعي بكل عدوانية لهدم نجاحاتهم وتنكيل شخصياتهم، وكلما زادت مقاومتهم لغيرهم كلما أفصحت عن تضخم مركبات النقص لديهم، وعليه تتزايد مشاكستهم وينسوا مميزاتهم وما تمتلكه يديهم ويسعوا للتركيز فقط على ما في إيد غيرهم والتفنن بكل أساليب الشر الممكنة وربما غير الممكنة في كيفية القضاء علي المميزين والتشهير بهم.. وهما لا يدرون انه بهذه العدوانية يكشفوا لاصحاب الثقافة والمعرفة والعقلانية مدى تعمق جذور الدونية داخل شخصيتهم المرضية، لدرجة تصل بهم انهم لم يقدروا أن يروا مميزاتهم الشخصية من فرط سيطرت الدونية عليهم.
وقد تتطور حالتهم لتصل بهم لأساليب مُسممة قد تكون نميمة تشهير تهديد ومن ثم جريمة.. إن دلت على شىء تدل على تسمم الشخصية الدونية، وذلك برغبتها الملحة في السعي لكره الأخرين والتقليل من مستواهم وشأنهم، وبالتالى تدميرهم والقضاء على قيمتهم وكرامتهم، لذا هناك فرق بين الرغبة فى التوبيخ للمصلحة، والرغبة فى الإدانة للكبر وابتلاء الناس بما ليس فيهم وفضحهم، وعليه تدمير النفس آدميا، وذلك عندما يسعى مريض الدونية جاهد لكى ما يدمر المستوى الآدمى لكل من حوله على حساب ان يرتفع مستواه.
نصيحة يجب أن ننتبه لأنفسنا ونحن نصعد السلم، لكى لا نصعد على جثث آخرين يحملون لنا نوايا صافية ومشاعر الحب المخلصة، فنصبح كمن قطع جذوره لينتهي به المطاف ويسقط ويكون سقوطه مرعبًا، وللإحاطة والإضافة قد تكون ملامح من يعانى من فرط الدونية هو نباح الإحساس المرير بعذاب النفس، ويظهر هذا فى صورة الصوت العالى على الغير سواء فى الحديث العادى أو فى الضحك أو حتى البكاء وكلها مشاعر متخبطة ومتفاوته، فالصوت العالى قد يهدف الى إزعاج من حوله بتشتتهم وارباكهم سعيًا للسيطرة والهيمنة عليهم، ومحاولة من مريض الدونية بوضع نفسه فى مستوى اعلى من غيره، من خلال الطموح الكبير، الذى يعمل على تعجيز الأخرين ظننا منه انه بهذا يهدأ لديه مرار احساسه ومعاناته من الدونية المدمرة.
ولمرضى الدونية نقول:- هناك فرق بين الطموح المدمر المعادى لمن حولنا وذلك بتعذبيهم والقضاء عليهم، وبين الطموح السوى الذى يسعى الى خدمة البشرية فى صورة نقلة حضارية، تتطلب كفاح مستمر للتطور والشغل بشكل دائم على بناء الشخصية.. والطموح هو ليس طفرة مؤقته للفت أنظار من حولنا لنعلن لهم بطريقة غير معلنة أننا الأحسن والأفضل عن غيرنا.. فمن يجتهد يثمر وثماره تفتح الطريق للكثير غيره، تجعل نجاحاته مستمرة ومبهرة ومن ثم حصاد ثمار وباستمرار ثمار انسانية ناضجة، وعليه من ملامح الشخصية السوية أن تأخذ الدونية حجمها الطبيعى فى تركيبة الشخصية.
وأخيرًا أهم خطوة للوقاية من مرض الدونية هى أن ندرك أننا جميعًا لدينا احساس طبيعى بالدونية أمام قدرات وإمكانيات بعضنا البعض، لذا يفضل أن لا ننظر للدونية على أنها أمر سىء، بل على العكس الدونية هى المصدر الأساسى للطموح السوى، ولكن المشكلة تكمن فى كيفية السعى لتحقيق الأحلام والطموحات بطرق صحية وليست مدمرة، البعض اذن يتعامل مع الدونية بشكل جيد فى نفع من حوله، والبعض يستخدمها ليهيمن ويبرز الأنا، لذا أعزائى يجب أن نضع فى اعتبارنا ونحن نتحرك للأمام، أن العظيم له من الجذور الإنسانية ما يجعله يدرك أهمية احترامه للبشرية.. والعظيم أيضًا هو من يدرك ويفهم ويقدر اختلاف المميزات من شخص لآخر، وذلك بأن يجعل كل من يقابله يشعر فى حضوره انه إنسان ذو قيمة، له إيجابيات واضحة وضوح الشمس، تضفى على شخصيته التألق واللمعان وتجعل له طلة وكاريزما ومثل يحتذى به، وأخيرًا العظيم بحق هو من يشعر الجميع فى محضره بأهميتهم وقدراتهم وتميزهم، ومن ثم تتسرسب بيننا الراحة التى تنعكس علينا وتضيف الي النفس سلام وتضىء الوجوه بالحب والتقدير والاحترام تجاه مميزات بعضنا البعض.