عماد فرغلي يكتب: نغار على بناتنا

لم يكن مشهد القبلات والأحضان المتبادلة بين الفنان راغب علامة ومعجباته خلال حفله الأخير بالعلمين مقبولاً فقد تجاوز رسالة الفن وتخطى قيم المجتمع وضرب بالأعراف والتقاليد المصرية عرض الحائط ، هذا المشهد ما كنا نشاهده إلا بالمسارح الغربية ونستبعد حدوثه في مصر أو في أي بلد عربي آخر نظراً لاختلاف الأجواء والثقافات والحريات الشخصية والتباين الكبير في حرارة الدماء وحُمرة الخجل ، لكن انعكست الأية ، ففي حين توقف الغرب عن الأتيان بتلك الأفعال على مسارحهم العامة أحياها العرب في حفلاتهم ومهرجاناتهم وإذا ما ارتأينا إن ما حدث مجرد حالة تشذ عن القاعدة فإن تجاهلها سيؤدي إلى تكرارها وستصبح أمراً مألوفاً وتتحول إلى قاعدة وما دونها هو النشاز .

انتشار فيديو القبلات أغضب رجال مصر لأن دمائهم حامية يغارون على نسائهم ويتباهون بعفتهن ولا يبالون بشعارات التحضر والتمدين والرقي فلا مجال لتلك الشعارات إن مست شعرة من مصرية أو أظفر من أظافرها .

رد الفعل جاء سريعا من نقابة المهن الموسيقية حيث أصدرت بياناً وصفت فيه هذا السلوك بالمُشين ويخالف كل العادات والتقاليد والقيم المجتمعية المصرية وقررت إيقاف تصريح العمل الخاص براغب علامة في مصر واستدعائه للتحقيق في مقر النقابة وطالبت غرفة المنشآت السياحية بالاجتماع ومناقشة الإجراءات اللازمة تجاه المنشأة التي استضافت الحفل معتبرةً أن ما حدث إسقاطاً متعمداً على القيم المصرية ، وأكدت في بيانها أن مسارح مصر ليست مرتعًا للقبلات والإيحاءات غير المنضبطة .

المثير للدهشة أننا وجدنا انتقادًا لبيان النقابة من عدد لا بأس به من النقاد والعاملين في مجال الموسيقى والغناء إذ رأى البعض منهم أنه لا ذنب للفنان فيما حدث إنما الخطأ يقع على منظمي الحفل ، ويبدو أنهم لم يشاهدوا مقاطع الفيديو المسربة من هذا الحفل والمنتشرة على مواقع التواصل والتي تظهر بوضوح أن صعود الفتيات إلى خشبة المسرح لتقبيل الفنان واحتضانه والتقاط الصور معه لم يكن عملاً فوضوياً بل كان مرتباً ومنظماً وسلسا كما لو كان متفقاً عليه بالتنسيق مع الفنان أو مدير أعماله والصعود بأولوية الحجز !

إن شعبية الفنان راغب علامة في مصر جارفة ومحبوه من الجنسين يحترمون تاريخه ويعشقون صوته ويحفظون أغنياته ونحسب أنه يبادلهم نفس مشاعر الود والاحترام، لكن هذه سقطة أيها الفنان الكبير كان من الواجب عليك المبادرة بالاعتذار بعيداً عن ما ستفسر عنه تحقيقات النقابة ، فمواصلة النجاح يتطلب بعض الحنكة والذكاء وعدم الانصياع ، وأنظر إلى ما سبقوك من رموز الغناء العربي وكيف كانت لهم هيبة على المسرح فالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ كان له من المعجبات ما يفوق معجبات كل فناني العصر الحالي لكنه كان محافظاً على ثباته واتزانه وقوة شخصيته فوضع حداً لتجاوزات المعجبات .

إننا نشجع السياحة في بلدنا ونتمنى التوسع في اقامة الحفلات والمهرجانات واستضافة كل فناني العالم على أراضينا سواء في العاصمة أو في الساحل الطيب والشرير والمدن الذكية الجديدة لكن مع شيء من الانضباط حتى لا تتحول رسالة الفن من وسيلة للاستمتاع والترفيه إلى غاية لإشباع الرغبات .