زينب البديوي تكتب من تونس: الإهمال الطبي وقلة الإمكانيات.. معاناة متواصلة في المستشفيات التونسية


في مشهد يتكرر يوميًا في أروقة المستشفيات العمومية التونسية، يصطدم المواطنون بجدران من الإهمال الطبي، ونقص حاد في التجهيزات والموارد البشرية، ما يجعل من رحلة العلاج تجربة مرهقة قد تنتهي بمضاعفات خطيرة أو حتى بفقدان الحياة.
قصص يومية للمعاناة
لم تكن سامية، وهي أم لطفل صغير، تتوقع أن زيارة ابنتها للمستشفى الجهوي بإحدى المناطق النامية بتونس بسبب ارتفاع درجة حرارتها ستنتهي بليلة من الرعب، بعد أن تبيّن أن طبيب الأطفال المناوب غادر قسم الاستعجالي، والممرض المناوب يرفض إعطاء أي دواء دون تعليمات. “قالوا لي استني حتى يجي الطبيب، والطفلة تزداد حالتها سوءًا قدامي”، تروي سامية.
قصتها ليست استثناء، بل واحدة من مئات القصص التي تعكس واقعًا مأساويًا في القطاع الصحي العمومي، حيث تفتقر المستشفيات لأبسط مقومات الرعاية، من الأدوية إلى الأسرة، وحتى إلى الكوادر الطبية المتخصصة.
اقرأ أيضاً
أما عن أقسام الولادة..تكمن في معاناة الحوامل بين الإهمال وسوء المعاملة
حيث لا يختلف حال أقسام الولادة في المستشفيات العمومية عن بقية الأقسام، بل تُعتبر من أكثرها هشاشة وخطورة.
فإن الحوامل، خاصة في المناطق الداخلية، يشتكين من الانتظار الطويل، قلة المتابعة خلال الحمل، وانعدام الإمكانيات الضرورية للولادة الآمنة.
تقول رحاب، حامل في شهرها الثامن، إنها لم تتلق أي فحص شامل منذ دخولها في الثلث الأخير من حملها، وإن الطبيبة المناوبة في المستشفى المحلي لا تأتي إلا مرة في الأسبوع. “ما نعرفش وضعيتي ولا وضعية الجنين، كل مرة نقول نعدّي بالسونار يقولولي ما فماش آلة، أو الطبيب مش موجود”، .
وفي حادثة اخرى صادمة، أفادت إحدى السيدات الحوامل أن الإطار الطبي في أحد مستشفيات الساحل أبلغها حرفيًا بأنهم "سيضحون بها لتنقذوا الجنين"، في حال اضطرت إلى ولادة قيصرية مبكرة، وذلك بسبب غياب قسم الحضانة، وانعدام الأدوية الأساسية، ونقص الكوادر المختصة بالتعامل مع الحالات الحرجة. هذه الشهادة تسلط الضوء على حجم المخاطر التي تواجهها النساء الحوامل في تونس، لا سيما حين تتعقد حالاتهن ولا يجدن الرعاية الكافية.
إلى جانب ذلك، تشتكي العديد من السيدات من سوء المعاملة داخل الأقسام، وغياب شبه تام لمراقبة أو متابعة أحوال الحوامل ليلًا، حيث تُترك بعضهن يتألمن أو يتعرضن لنزيف دون أن يلتفت إليهن أحد لساعات. هذا الغياب للرعاية الإنسانية يزيد من هشاشة الوضع الصحي والنفسي للنساء، ويعكس خللاً عميقًا في فلسفة العناية الطبية داخل هذه المرافق.
نقص فادح في التجهيزات والإطار الطبي
وفق تقارير رسمية صادرة عن وزارة الصحة، تعاني المستشفيات التونسية من نقص حاد في الإطار الطبي وشبه الطبي، إضافة إلى تقادم التجهيزات وانعدام الصيانة في العديد من الأقسام، خاصة في المناطق الداخلية.
هذا النقص لا يساهم فقط في تدهور الخدمات، بل يدفع بالكثير من الأطباء والممرضين للهجرة بحثًا عن ظروف عمل أفضل.
الفساد والإدارة العشوائية يزيدان الطين بلة
يرى مختصون أن جزءًا من أزمة الصحة في تونس يعود إلى سوء الإدارة والفساد داخل بعض المؤسسات، حيث تُسجَّل تجاوزات في التزود بالأدوية، وإهمال في صيانة المعدات، وعدم تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة، مما يساهم في تفاقم الأزمة.
دعوات للإصلاح العاجل
في ظل هذه الظروف، ترتفع أصوات المواطنين والمجتمع المدني مطالبة بإصلاح جذري للقطاع الصحي، وتوفير الميزانيات الكافية لتأهيل البنية التحتية، وتحفيز الإطارات الطبية على البقاء والعمل في المستشفيات العمومية، خاصة في الجهات المحرومة.
وفي الاخير نشير إلى أن
الإهمال الطبي ليس مجرد حالة فردية، بل هو عارض لأزمة أعمق في المنظومة الصحية التونسية. وبين مطالب الإصلاح والتجاهل الرسمي، تظل الحوامل، الأطفال، والمرضى من الفئات الهشة هم الضحايا الأولى في معركة صامتة من أجل الحق في العلاج.