محمود حسن يكتب: وسائل التواصل إنعكاس لمذاق الواقع


هل أحيلت القنوات الرسمية إلى سن المعاش المبكر ؟
أم بلغت من العمر أرذله فغدت لا تعلم من بعد علم شيئا ؟
أو أمست كالضباع التي تنتظر بقايا الطعام التي تتركها الأسود بعدما تشبع لتقتات بها ،
لقد أنشأت القنوات التلفزيونية لتكون تعليمية تثقيفية تعبيرية ترفيهية رائدة على مستوى الوطن العربي منذ نصف قرن ونيف ، لتحقيق أهداف محددة اهمها النهوض بمستوى الفن والإتجاه بالفنون إتجاها قومياً للحفاظ على التراث المصري والعربي وتوثيق الروابط محليا وعالميا ،
وقد أنجزت وأرست ونفذت تلك القنوات جل أهدافها وهي لم تزل في المهد صبية ،
ثم أعطت الأكثر في ريعان شبابها فنمت وإزدهرت وأثمرت وتكاثرت فأنبتت ثلاث سنابل في كل سنبلة مائة حبة من رياحين العطاء ، ثم جائت القنوات الإقليمية والمتخصصة لتعبر عن نبض الأقاليم ،
وظننا أن عمر شبابها سيطول وستظل وتصل إلى سن الرشد الإعلامي وأن رشدها سيبقى ويستمر ولن ينالها وهن الشيخوخة المبكرة ولا المتأخرة ،
لكن وا أسفاه ، لقد أفقنا على ركام وبقايا وذكريات وليت أنا لا نفيق ، صحوة طاحت بأحلام الكرى ،
وبعدها ظهرت القنوات الفضائية فابتهجنا بالسماوات المفتوحة والنقلة النوعية للإعلام ،
ولكن وا أسفاه دخل الإستثمار فأفسد الإعلام وأصبحت أكشاك تجارية وأصبح المال هو الغاية فذبحت الرسالة واغتيل الهدف ،
فهل هذا هو مراد عظماء ورواد وبناة وابناء هذا الصرح العملاق ؟ ،
ام خلفوا خلفا سفاحا طمسوا التاريخ وحرفوا أسفاره ، واتبعوا شهوات السطحية والإسفاف والتفاهة ،
ففقدوا الهوية وتفرقت بها السبل وضلوا الطريق فتاهت المبتدئ في الأزقة وسرقت رفاتها ،
واصبح الناتج سفيه ، سقيم ، سليق ، سليط ، جعير ، صفيق ، صليل ، صفير ، صغير كحجم أربابه ،
لستم ابناء ولا أحفاد لأولئك العظماء ، ولو أنكم كذلك لبقيت فيكم بعض جيناتهم وقاتلتكم لتقتل فيكم البلادة وتحيي فيكم نخوة الفكر الرفيع ، والإعلام الوقور ، والفن الراقي ،
أنتم لقطاء الفكر وهذا الصرح ليس ملجأكم ، وأن ما جئتم به فعل فاجر أو كيد ساحر ، أنتم عبيد مال وسدنة مناصب ومتسلقي أقدام الكراسي ، أنتم معاول هدم الثقافة وكاشفوا عورتها ،
أنتم من جردتم الهوية الفكرية والإبداع من ملابس النخوة والشرف الفني وخلعتم عليها ملابس ليلية فاستمتعتم بجميع الاوضاع الشاذة التي تمارسونها معها ،
أنتم مجرمون وجدرانها تلعنكم ، والإعلام منكم براء ،
لقد تركتم الساحة للهواتف المحمولة في الشوارع والطرقات ،
فأصبحت مواده زادكم تنتظرون منه الإحسان والصدقة لتملئوا به ما تبقي لديكم من وقت بعد المباع لعبده مشتاق الغير مؤهل والذي سولت له نفسه أن يظهر على شاشة بثمن " شبكة مراته "،
ظاهرة التريند أنتم من تسبب في ظهورها وانتشارها وإستثمارها واستغلالها ،
فإذا غاب القط من الحظيرة انتشرت الفئران ،
فأفيقوا يا أرباب الإعلام وحاملي مسئولية أجيال وهوية أمة ، وأمنها القومي ،
وإن لم تفيقوا فارحلوا ، أو فارحلوا .