محمود حسن يكتب: ” الثانوية العامة ” صنم وجب تحطيمه

حينما أتحدث إلى أحد أصدقائي من الدول المتقدمة علميا عن " الثانوية العامة " أجده يضحك مستغربا او ساخرا . ما جعلني أفكر مليا في هذا التمثال الحجري الذي " ظلتم عليه عاكفين " فقد ثبت عبر عقود أنه سبب رئيسي في إنهيار وتدمير أجيال كثيرة فهو أولا من إبتدع فكرة الدروس الخصوصية ، وهو من أفرغ مدارس الدولة من الطلاب ، وجعلهم يتحايلون على الغياب بشهادات مرضية مزورة ، وهو من ابتدع فكرة الكتب الخارجية والملخصات ، ثم خلق ألوانا وأشكالا من الغش بافكار شيطانية ، فضلا عن مافيا تسريب الإمتحانات وخلافه ، .

أما عن حال المنزل المصاب أحد افرادة بمصيبة الثانوية فتجدهم طوال العام في حالة طوارئ ، وغرفة عمليات واستعدادات قصوى ، وتتوجه كل ميزانية المنزل لهذا الحدث الجلل ، والسعي المرهق المذل وراء حجز أماكن لدى السادة أباطرة وأساطين الدروس الخصوصية ، وتتوقف الحياة تماما على شرف" الست ثانوية " ويقوم الأب بشد المأزر ، وإيقاظ اهل منزله ، وكأنه في العشر الأواخر من رمضان ، اما عن الأم المسكينة فتصاب بحالة من الرعب وتيبس في الأطراف ، وإنهيار في الأعصاب ، والويل كل الويل للأخ الذي يتنفس بصوت عال بالمنزل ، او الجار الذي يخرج من نافذته أي صوت ، وأوشكوا أن يضعوا على منزلهم لافتة مكتوب عليها " إرحموا عزيز قوم ذلته الثانوية ".

وبعد كل تلك المصاعب والأهوال يجد الطالب نفسه بين فكي كلب مكتب تنسيق أعمى البصر والبصيرة ، فيمزق مستقبله بأنياب الجهل ، ويرمي به كما ترمى كرة القمار في أي مكان عشوائي كيفما اتفق ، بل بما لا يتفق مع قدراته وملكاته وميوله الحقيقة ، فينتج لنا خريجا عشوائيا محبطا حاملا شهادة مفرغة المضمون والجوهر ، فيمارس غير ما درس ويعمل في غير ما يحب ، او يعمل في تخصص شهادته بمنتهى الجهل وسوء الأداء ، فتجد مهاراته وقدراته وملكاته في واد وعمله في واد آخر .

او يظل في حالة بطالة لكثرة عدد الشهادات المماثلة لشهادته فيكب على ذات الكومة التي ألقي فيها زملائه السابقين من حملة ذات المؤهلات الورقية ،

لماذا يا سادة !؟
لماذا لا يبدأ التخصص عقب الشهادة الإعداية مباشرة أي بعد التعليم الأساسي ، وحسب ميول ورغبة الطالب يتوجه ويختار طريقه في مدرسة الطب الثانوية مثلا ، أو مدرسة الهندسة الثانوية ، أو مدرسة التجارة الثانوية ، او مدرسة الشرطة الثانوية... إلخ
ونكون هنا بين ثلاثة مراحل حسب تفوق وقدرات الطالب ، إما ان يتوقف عند الدبلوم فيصبح فنيا نحتاج إليه ، او يتوقف بعد السنة الثانية بعد الثانوية على درجة دبلوم عالي (معهد) فيصبح فني عالي نحتاج إليه ، أو يكمل تعليمه الجامعي فيصبح أخصائي أو تخصصي نحتاج اليه ،
وبذلك نتخلص من كابوس الثانوية العامة الضالة المضلة ، ونحيي التعليم الفني بشكل عملي وواقعي بعد أن ساءت سمعته واستقر في الأذهان انه طريق الفاشلين وان من لا يلتحق بالثانوية العامة فهو غير جدير بالإحترام ، وقد نتج عن ذلك فقدان كامل للكوادر الفنية الهامة ،
يا سادة
حطموا هذا الصنم واكفروا به ، فقد ثبت أنه يضر ولا ينفع ،
أعيدوا للتعليم الفني إحترامه وقدره ، فهو عمود الخيمة لتقدم الأمم ، وهو المنهج السليم لتوظيف قدرات الشباب ،
إجعلوا التعليم الفني هو الطريق الأوحد أمام الطالب لدخوله الكلية الجامعية التي يرغب فيها ،
كي نحصل علي شاب إتفقت ملكاته مع مؤهله فأصبح متعلم بمعني الكلمة ، لإنه إلتحق بالكلية التي يحبها بعد أن أمضي في تخصصه سنوات كثيرة تمكنه من هضم المهنة نظريا وعمليا فضلا عن حالة الرضا والإستقرار النفسي التي سوف تملئ كيانه لأنه إختار طريقة بنفسه ، وقرر مصيره بإرادته ، وليس بأمر مكتب التنسيق ، او بالأحرى " مكتب التمزيق " ،

فأين إبراهيم ؟ كي يحطم هذا الصنم .