وفاء أنور تكتب: الكلمات بضاعة لا ترد ولا تستبدل


عادة ما يرتبط مفهوم الدبلوماسية لدينا بالمواقف المتعلقة بالسياسية وحسب، لكنه وفي جميع الأحوال يمثل تلك القوة الناعمة التي قد تحقق ما لا يحققه الصراع الطويل الذي يفضي لجدل لا جدوى منه، الاختلاف الذي -لا- تكسوه المرونة في الغالب قد يفسد للود قضية، الدبلوماسية تأخذنا بعيدًا عن المشاحنات، تقلل من أجواء الشد والجذب فتظهر الصورة كما هى، تغلق الطريق أمام النقاشات الفارغة، محافظة بذلك على أغلب علاقاتنا الاجتماعية.
إن الخلاف الذي يقاتل ليلًا ونهارًا، يود أن يكسر هذا التلاحم الذي يقوم على أساسه أمن وسلم مجتمعنا الذي نعيش فيه، يعمل على تصعيد الأحداث ويحملها ما لا لم تحتمله ولا نطيقه، يهدد هويتنا المتسامحة؛ يسعى لطمس معالم رصيدنا الضخم من قيمنا، من مبادئنا التي تربينا عليها، وهنا يأتي دور الدبلوماسية بمرونتها، فتهييء مناخًا جيدًا للحوار البناء فيما بيننا، تصحبنا إلى أرض محايدة، تبعدنا عن التشدد، محاولة إيضاح الأمر لنا بحجمه، بمحتواه ومضمونه، بحقيقته التي لا تستدعي هذا الكم من العصبية والانفعال.
كم من موقف مر بك فأقامك على أثره في تلك المنطقة البالغة الضيق، حينما تملكك غضب عارم حركك، تلقفك بيديه فحولك ٱلى دمية لا حول لها ولا قوة، موقف كان يمكنك أن تتفاداه من بدايته، تمرره بسلام وينتهي الأمر على خير؛ ليبقى من بعد ءلك سؤال واحد، سؤال توجهه لنفسك مرارًا وتكرارًا: لماذا جاء رد فعلي بهذا الشكل المبالغ فيه؟ ولمَ انفعلت؟ لقد كان الأمر بسيطًا هينًا، لكني لم أنتبه، كان علىّ ألا أقول ما قلت، ولا أفعل ما فعلت! أين غابت رحابة صدري؟ أين غادر الصبر الذي عادة ما ينجح في الحد من تأثير اختلافنا في الرأي؟
تعرض أغلبنا لمثل هذا الموقف، وقع تحت تأثير انفعاله وغضبه، خسر بعض معاركه التي دارت من خلف ستار داكن من صلف، فنحن لم نمنح لأنفسنا الفرصة لتحري الأمر برمته، لحظة دفعنا ثمنها من سلامنا النفسي، ثمن باهظ أعقبه سيل جارف من ندم ومن حسرة، لنعود ونردد معًا نفس القول: "كان علينا أن نتمهل؛ أن نتأنى ونتأكد؛ فالكلمات التي تخرج من أفواهنا تسبب خسارة محققة حين تجرح غيرنا، تكسر وتحطم، إن الكلمات التي ننطق بها هى في الأصل بضاعة لا ترد و لا تستبدل.