الجمعة 2 مايو 2025 06:06 صـ 4 ذو القعدة 1446هـ
أنا حوا

رئيس التحرير محمد الغيطي

المدير العام منى باروما

يحدث الآن
فنون وثقافة

السيناريست عماد النشار يكتب: قَاهِرَةُ اليَوْمِ الضَّائِعِ.. رِحْلَةٌ فِي قَلْبِ مَدِينَةٍ تَحْتَفِظُ بِأَسْرَارِهَا

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

في يوم بدا عاديًا، وفي القاهرة التي لا تنام، استيقظ بطلنا على دعوات غامضة لمظاهرة لم يستجب لها أحد. كانت الشوارع خالية، كأن المدينة استعادت برهة من صفائها القديم، الهواء مشبع بهدوء غريب، والسيارات غائبة، والأرصفة تتألق كما لو كانت تنتظر من يكتشف جمالها المخبأ. في هذا السكون، بدت القاهرة مدينة أخرى، نسخة من نفسها كما كانت في الأزمنة الماضية، حين كان المشي في شوارعها متعة، لا مجرد وسيلة للعبور.

قرر البطل، الذي حملته ذاكرته الممتلئة بمشاهد القاهرة القديمة، أن يكسر رتابة الأيام ويخرج في مغامرة غير متوقعة. ارتدى بذلته الصيفية المفضلة، وسار في شوارع وسط البلد التي بدت كأنها جزء من حلم. كل شيء حوله كان أشبه بلوحة حية، حيث العمارات القديمة التي شيدها الإيطاليون والفرنسيون، تصطف كأنها شهود على عصور ذهبية مضت. في صمت الشوارع، أصبح للعمارات لغة، للنوافذ المغلقة حكايات، وللأرصفة المهجورة ذاكرة تنتظر من يعيد استحضارها.

لكن الرحلة لم تكن مجرد تأمل في المعمار، بل تحولت سريعًا إلى مواجهة مع الغريب والمجهول. شخصيات من الماضي بدأت تتسلل إلى الواقع، كأن الفراغ أفسح لها المجال لتعود وتستعيد وجودها. رجل خمسيني يقف أمام محل مغلق، يسأل البطل عن صراف كان يغير له الدولارات حين كان سعرها 80 قرشًا. نظراته تحمل دهشة رجل خرج من مقبرة ليكتشف أن الزمن لم يكن في صفه، وأن كل ما عرفه قد تبدل.
لم يكن وحده، فقد ظهر رجل آخر، بملابس من زمن مضى، يحدثه عن أيام كان فيها جاسوسًا على المثقفين في مقهى ريش، ينقل تقارير عن أحاديثهم وأحلامهم. كأن الماضي قرر أن يخرج من ظلام النسيان ليعيد تقديم نفسه للبطل، ليذكره أن الأزمنة لا تمضي، بل تظل تتكرر في دوائر، وكل ما يتغير هو الوجوه.

لكن أكثر المفاجآت سحرًا كانت كوثر، فتاة من عالم آخر، تحمل جمالًا غامضًا وعينين مليئتين بالأسئلة. لم تكن مجرد فتاة جميلة، بل كأنها تجسيد لروح القاهرة نفسها، بكل تناقضاتها وسحرها الغامض. ظهرت له فجأة، بابتسامة واثقة، وأخبرته أنها كانت تتابعه على "تويتر"، وأنها تعرفه أكثر مما يعرف نفسه. لم يسألها كيف ولماذا، بل ترك يدها الباردة تلتقط يده، وسار معها في رحلة لا تشبه أي رحلة أخرى.

5. القاهرة الخديوية: رحلة في قلب الزمن

لم يكن المشي في وسط البلد مجرد رحلة بين المباني، بل كان سيرًا في قلب الزمن. هنا، في عمارة الإيموبيليا، كان أنور وجدي وليلى مراد يسكنان، وكان نجيب الريحاني ذات يوم يلتقي بليلى في الأسانسير، يقترح عليها فيلمًا، فيصبح غزل البنات أحد أكثر الأفلام أيقونية في السينما المصرية. كل شرفة في هذه العمارات تخفي وراءها قصة، كل باب كان يفتح على زمن مختلف.

وفي ميدان طلعت حرب، حيث يبتسم تمثال طلعت حرب كأنه يراقب أحوال المدينة، تنبعث من النوافذ المغلقة موسيقى، فيسمع البطل صوت عبد الحليم حافظ يشدو:"أول مرة تحب يا قلبي وأول يوم اتهني..."
في زاوية أخرى، يأتي صوت محمد فوزي ممسكًا بيد فاتن حمامة في عربة حنطور يقودها عبد الوارث عسر، وهو يغني:"طير بينا يا قلبي، ولا تقليش السكة منين…"
وفي وسط دهشة رجال الشرطة، تقترب منه لبنى عبد العزيز، كما لو أنها خرجت من أحد أفلام الأبيض والأسود، تطل عليه بعيونها الساحرة، فتأخذه إلى زمن كانت فيه الشوارع أكثر رحابة، والأحلام أكثر وضوحًا.
الزمن يعود، تتلاشى الضوضاء الحديثة، وتبقى القاهرة الخديوية تبتسم لمن يتأملها.
.
لم تكن الشوارع جامدة، بل كانت تتنفس وتتفاعل. في ممرات وسط البلد، امتد الرقص من شارع عماد الدين حتى مصر الجديدة، حيث بديعة مصابني احتضنت البدايات، فأخذت بيد تحية كاريوكا إلى عالم الفن، إذ لم يكن الرقص إلا تعبيرًا عن الفرح والحياة.

كان في كل زاوية شيء يثير الدهشة: شرطة مرتبكة من قبلات خفية تطبعها كوثر دون أن تُرى،لكن المدينة لم تكن تستعيد فقط ذكرياتها الجميلة، بل كانت أيضًا تخرج من أعماقها كوابيسها.

عملاق يظهر فجأة قبل نهاية شارع طلعت حرب، يفتح ذراعيه على اتساعهما، ليزيح العمارات عن مكانها ويعيد ترتيبها كما لو كان يلعب بقطع الدومينو. لم يكن مجرد كائن أسطوري، بل كأنه رمز لكل ما حاول أن يبتلع هذه المدينة، لكل يد امتدت لتسرق روحها وتعيد تشكيلها على غير صورتها.

لكن الوحش لم يكن شريرًا، بل كان أشبه بحارس المدينة، يختبر من يستحق البقاء فيها ومن يجب أن يرحل. ثم اختفى، تاركًا البطل وكوثر في حيرة، كأنهما شاهدا شيئًا من الغيب، أو لمحة من مستقبل المدينة التي تأبى أن تموت.وصوت أم كلثوم ينبعث من سينما مغلقة، كأن الزمن انكمش على نفسه ليعيد تكرار ليالي الطرب التي كانت تُحييها هناك.

دموع كوثر تلمع في ضوء المصابيح القديمة، كأنها تحمل بين عينيها كل الحكايات التي عاشتها هذه المدينة.
ومع كل خطوة، يفتح البطل وكوثر بوابات الذاكرة. من ميدان التحرير إلى شارع طلعت حرب، ومن ميدان التوفيقية إلى عمارات يعقوبيان والإيموبيليا، تتحدث العمارات إلى من يملك أن يسمعها، تحكي عن عصور ازدهرت ثم ذبلت، عن أحلام كُتبت على جدرانها ثم بهتت مع الزمن. كان المشي في شوارع القاهرة القديمة أشبه بالعبور داخل كتاب مفتوح، كل شارع فصل، وكل زاوية سطر، وكل مبنى شاهد على قصة لم تكتمل.

لكن الرحلة لم تكن مجرد نزهة عبر التاريخ، بل كانت غوصًا عميقًا في النفس. كوثر لم تكن مجرد رفيقة طريق، بل نافذة يطل من خلالها البطل على ذكرياته، على خيباته وأحلامه القديمة.

في النهاية، لم يكن السؤال عن المدينة، بل عن الزمن نفسه. هل المدن تشيخ مثل البشر؟ هل يمكن استعادة ما فُقد؟ هل الحنين إلى الماضي هو مجرد هروب من الحاضر، أم أنه محاولة لاستعادة شيء يستحق أن يعود؟

"قاهرة اليوم الضائع" ليست مجرد رواية عن مكان، بل عن شعور. إنها عن مدينة تحمل في شوارعها ذاكرة لا تموت، وعن أشخاص يبحثون عن أنفسهم بين الأزقة، وعن أحلام لم تفقد بريقها رغم غبار الزمن. إنها دعوة لاكتشاف الجمال وسط الخراب، ولإيجاد الأمل حتى عندما يبدو كل شيء على وشك الانتهاء.

إبراهيم عبد المجيد سيد الحكاية ،عندما يكتب فإنه لا يروي مجرد قصة، بل يفتح أبواب الزمن، ويعيد تشكيل المدن بالكلمات، ويمنح الأمكنة أرواحًا تتحدث وتتنفس. إنه أديب متفرد، استطاع أن يجعل من القاهرة بطلة في "قاهرة اليوم الضائع"، تمامًا كما جعل من الإسكندرية أسطورة حية في رواياته الأخرى.

ما يميز إبراهيم عبد المجيد ليس فقط سرده الأخاذ، بل قدرته الفريدة على المزج بين الواقع والخيال، بين الحنين والمستقبل، بين التفاصيل الصغيرة التي تشكل نسيج الحياة والمشاهد الكبرى التي ترسم مصائر المدن والبشر. إنه كاتب يعرف كيف يلتقط روح المكان، وكيف يجعل القارئ يشعر بأنه يسير في الشوارع ذاتها، يتنفس الهواء ذاته، ويرى العالم بعين شخصياته.

في "قاهرة اليوم الضائع"، يؤكد عبد المجيد من جديد أنه ليس مجرد راوٍ بارع، بل فنان يحول المدن إلى لوحات نابضة بالحياة، ويعيد تشكيل التاريخ بلغة تسكن القلب قبل العقل. إنه من القلائل الذين يكتبون بأسلوب يربط الماضي بالحاضر، دون أن يقع في فخ النوستالجيا المجردة أو الواقعية الجافة.

في أعماله، لا تموت الذكريات، ولا تفقد الأماكن سحرها، بل تظل نابضة في الوجدان، كما تبقى رواياته حية في ذاكرة الأدب العربي، شاهدة على أحد أعظم من صاغوا حكايات المدن وأعادوا تشكيل الزمن بالكلمات.

السيناريست عماد النشار

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,520 شراء 3,543
عيار 22 بيع 3,227 شراء 3,248
عيار 21 بيع 3,080 شراء 3,100
عيار 18 بيع 2,640 شراء 2,657
الاونصة بيع 109,472 شراء 110,183
الجنيه الذهب بيع 24,640 شراء 24,800
الكيلو بيع 3,520,000 شراء 3,542,857
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 06:06 صـ
4 ذو القعدة 1446 هـ 02 مايو 2025 م
مصر
الفجر 03:36
الشروق 05:11
الظهر 11:52
العصر 15:29
المغرب 18:33
العشاء 19:57