د. فتحي الشرقاوي يكتب.. تعالوا نحسبها بهدوء


أبرمت الحكومة خلال اليومين السابقين بروتوكول بين وزارتي المالية والتخطيط، سيتم بموجبه منح أي سيدة تلتزم بانجاب طفلين فقط مبلغ ١٠٠٠ جنية سنويًا، تحت شعار المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، ونص البروتوكول أن يتراوح عمر السيدات ما بين 21 و45 عامًا كحد أقصى للحصول على هذا الدعم المادي (1000 جنيه) بعد القيام بالمتابعة الدورية لالتزام السيدات بشروط المشروع على أن يسقط حقها في المطالبة بأي مبلغ مالي في حال إنجابها طفلًا ثالثًا.
لحد كده بروتوكول الحكومة يبدو واضحًا جليًا لا لبس فيه ولا غموض، ويمكننا التعبير عن فحوى هذا المشروع بالصياغة الشعبوية التالية، وكأن مسؤل حكومي ما يخاطب احدى السيدات (هنصرفلك ١٠٠٠ جنيه سنويًا بشرط متخلفيش اكتر من طفلين بس ولو خلفتي الطفل التالت مش هتاخدي ١٠٠٠ جنيه دي) على الرغم من حسن النية المفرط والصادق والحقيقي لدى الحكومة والذي نشاركها بالقطع اياه، في مدى خطورة الانفجار الانجابي السكاني الرهيب، الذي يلتهم بدوره كل ملامح التطوير والتحديث المجتمعي (التنمية) إلا أن هذا البروتوكول الصادر برغم نواياه الصادقة، اغفل العديد من المتغيرات، كل واحد من تلك المتغيرات كفيل بؤد تلك الاتفاقية قبل دخولها حيز التنفيذ والتفصيل.
سأكتفي في هذا المجال بذكر سبب واحد، على أن يعقبه في مقالات أخرى بقية الأسباب، "لو كلف أحد المسؤلين الحكومين نفسه قليلًا واطلع على أي دراسة اجتماعية انثربولوجية نفسية، من التي تعج بها أرفف المكتبات في مراكزنا البحثية العلمية لادرك على الفور أن أحد اهم أسباب كثرة الإنجاب في الريف المصري، هو استخدام الأطفال بعد سنوات قليلة من نموهم كقوة بشرية اقتصادية، (عاملين في كافة مجالات الزراعة والفلاحه والأنشطة اليدوية البسيطة المرتبطة بهذا المجال)، فالطفل حينئذ يعمل كقوة اقتصادية ويحصل في المقابل على قيمة مادية ما، بغض النظر عن قيمتها الكمية، إلا انها في النهاية تجسد اقتصاديًا السبب في كثرة انجاب الأم لاطفالها في شتى ربوع مصر ونجوعها وكفورها..الخ.
ومن ثم يبرز السؤال التالي، هل قيمة (١٠٠٠ جنيه سنويًا) المطروحة كمكافأة واثابة لعدم الانجاب في ظل الارتفاع الرهيب والمحموم في أسعار السلع والخدمات سيكون دافع حقيقي للسيدة المعنية بعدم انجابها أكثر من طفلين، وهل قيمة ١٠٠٠ جنيه سنويا تتساوى مع القيمة المادية (الاجر) الذي سيحصل عليه الطفل يوميًا واسبوعيًا وسنويًا، ويعطيها لوالديه والقابلة بالقطع للزيادة بدخوله عالم الرشد والكِبر، لن اجيب على هذا السؤال، لأن الإجابة عليه قد تبدو من البداهة ما لا يتطلب منا إعمال ابسط قواعد تفكيرنا العميق استنتاجًا وتحليلًا.