عماد فرغلي يكتب: حيوا أبو الفصاد


على عكس ما يظن بعضنا ' فإن فكرة الاحتفال بأعياد الميلاد ليست تقليداً غربياً فالمصريون القدماء هم أول من احتفلوا بأعياد ميلادهم وكانوا يقدمون الهدايا ويتناولون الحلوى ويتوجون ملوكهم بالدروع والأوسمة والنياشين في تلك المناسبة ، وكأي فكرة تعود أصولها لأجدادنا الفراعنة ينسبها الغرب لنفسه بعد أن يضيف إليها ويطورها ثم يصدرها لنا بثوبها المطور ، فالألمان مثلاً هم أول من أضافوا كيكة عيد الميلاد في احتفالاتهم واليونانيون هم أول من أستخدموا الشموع وأشعلوها على الكيك والأمريكان هم أصحاب أغنية عيد الميلاد الشهيرة "Happy Birthday to You" وذلك قبل أكثر من مائة عام والتي تتغنى بها كل الأسر في العالم حتى الآن مهما اختلفت لغاتهم وثقافتهم ، أما النسخة العربية منها فهي مصرية خالصة بطلها المخرج الإذاعي الشهير "بابا شارو" قدمها ضمن أوبريت غنائي لتعليم الأطفال احتفالا بعيد ميلاد "أبو الفصاد" ذاك الطائر المصري المهاجر الذي كان يساعد الفلاحين في تنظيف أراضيهم من الديدان ' وتقول كلماتها : "يلا حالا بالا بالا، هنوا أبو الفصاد، حيكون عيد ميلاده الليلة أسعد الأعياد، هنوا أبو الفصاد" ، وأصبحت هذه الأغنية فيما بعد ركن أصيل من احتفالات المصريين بأعياد ميلادهم بعد أن أضافوا لكلماتها لمستهم التجويدية "سنة حلوة يا جميل" .
ربما تكون تلك المعلومات ليست على قدر كبير من الأهمية الإثرائية ولكني فعلت كما يفعل معلقو مباريات كرة القدم الذين يجمعون كم هائل من البيانات والتعريفات لسردها أثناء التعليق ولا يحلو لهم تناولها إلا أثناء الهجمات الخطيرة لأحد الفريقين أو في توقيت غير مناسب فلا يستفيد المشاهد من قيمتها ولا يستمتع بأحداث اللقاء ، لكني هنا تجنبت ما يقع فيه المعلقون من أخطاء بأني صدرت المعلومات الأقل أهمية لتكون في بداية المشهد والانتقال منها لما هو أكثر أهمية .
والأكثر أهمية من وجهة نظري فيما يخص الاحتفال بعيد الميلاد هو لماذا نحتفل أصلاً بأعياد ميلادنا ونحن نعلم أن أعمارنا في هذ اليوم تنخفض فعلياً بمقدار سنة كاملة ، والأعمار بيد الله ، نتفهم قيمة عيد الميلاد عند الأطفال فهي مناسبة لرسم البهجة على وجوه أطفالنا وتجديد أمنياتنا لهم بحياة سعيدة وبمستقبل زاهر لكن ما قيمة احتفال الكبار بهذه المناسبة فإن كان الهدف منه الشكر والحمد على دوام العمر فخير وبركة أما ما نراه ونسمعه من مظاهر احتفالية مبالغ فيها عند بعض المشاهير ففيه شبهة فساد وتبادل للمصالح على حساب المشاعر الخالصة والنيات الطيبة ، والشاهد على ذلك هذا المسؤول الكبير الذي كان يجد في يوم ميلاده طابورا من المهنئين على باب مكتبه وأمام منزله وهم سعداء فرحين بهذا اليوم العظيم فلما تقاعد لم يجد من يتذكره ولو بحرف واحد في رسالة أو اتصال بالخطأ.
اقرأ أيضاً
عماد فرغلي يكتب: بيوت العنكبوت
عماد فرغلي يكتب: نغار على بناتنا
عماد فرغلي يكتب: إعلام للأسف «بعضه دولاري الهوى»
عماد فرغلي يكتب: الأسد الصاعد وطوفان الأقصى
عماد فرغلي يكتب: ست بـ 100 راجل
عماد فرغلي يكتب: كلاب شارعنا
عماد فرغلي يكتب: نار الشتاء ولا جنة الصيف
عماد فرغلي يكتب.. حياة الماعز بين الحقيقة والمبالغة
عماد فرغلي يكتب: صفعة بصفعة.. وتتوالى الصفعات
عماد فرغلي يكتب.. المنظومة الرياضية.. الداء والدواء
عماد فرغلي يكتب: مركز تكوين ولا مساس بالدين
عماد فرغلي يكتب.. إن أتيت متأخرًا كإنك لم تأتي أبدًا
يقول فيودور دوستويفسكي الأديب والروائي الروسي : "بربكم، كيف تقدمون لي التهاني لمرور عام من عمري!! قد مات عام من عمري وأصبحت أقرب إلى الهاوية، بل أصبحت على شرفات الرحيل، أنتم تهنئونني لأنني كبرت عام وفرحون بالمعنى السطحي وأنا فرح بالمعنى العميق إذ أنني اقتربت للرحيل من هذا العالم البائس". وبعد كلمات دوستويفسكي الواقعية لا أظن أن أحدا من الكبار سيتأثر بها وسيظل الاحتفال بأعياد ميلادنا تقليداً إجتماعياً راسخا ولو بلغ أي منا المائة عام ، وليحيا أبو الفصاد .