الخميس 25 أبريل 2024 04:58 مـ 16 شوال 1445هـ
أنا حوا

رئيس التحرير محمد الغيطي

المدير العام منى باروما

يحدث الآن
أنا حوا

د. وفاء كمالو تكتب: المحاكمة الأشرس لتابوهات السيرة الهلالية

أنا حوا
يشهد المسرح المصري حاليا , حدثا فنيا عبقريا تبعثه التجربة اللامعة " التغريبة بنت الزناتي" , باعتبارها من الأعمال النادرة التي تفتح مسارا للعقل النقدي , يخترق الصيغ المقيدة بحثا عن الدهشة والمعرفة , يكشف عن وعي بأبعاد المأزق العنيد , وعن محاولات لطرح حس جمالي جديد , يقبل التساؤلات ويحرر المعرفة , ويعيد ترتيب العلاقات بعيدا عن السائد والمألوف , ويعلن عن ميلاد قيم جمالية وفكرية تكرس للجدل , وتشتبك بحرارة مع وقائع وجود إنساني مشحون بالأحلام والهزائم والانكسارات .

هذه التجربة من إنتاج قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية , تقدمها فرقة الموسيقى الشعبية على قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون , الإعداد للكاتب الواعد بكري عبد الحميد , والإخراج للفنانة الشابة المتميزة منار زين , وفي هذا السياق تضافرت الكتابة الحية المثيرة للجدل , مع الرؤية الإخراجية الطموحة المغايرة , لتضعنا أمام أشرس محاكمة لتابوهات السيرة الهلالية  , فمن المؤكد أن الميراث الثقافي والإبداع الأدبي قابل للطرح إلى ما لانهاية , ولكن هذا الطرح يجب ألا يأتي لمجرد الحنين إلى أحداث الماضي ومحاولة إسقاطها على الحاضر , بل يجب أن يأتي وفقا لمنظور له دلالاته التي تتفاعل مع الحاضر بغرض تغييره ومنحه أبعادا أكثر قدرة على التواصل مع المستقبل , وفي هذا الإطار نجد أن أغلب المسرحيين العرب قد وضعوا السير الشعبية في أطر ثابتة لا يخرجون عنها , فتحولت إلى تابوهات جامدة وامتلكت مادتها قوة جذب هائلة تدفع الجميع إلى الدخول في أفق سياقها من خلال الحكاية والأحداث والشخصيات والأبطال , وامتدت القيود ليظل هناك ارتباط وثيق بحدودها ورؤاها وأفكارها وأبعادها التاريخية , وبذلك غابت الرؤى الجمالية الطموحة , وظلت السير الشعبية بعيدة تماما عن منطق استخدامها كنمط لمادة إبداعية جديدة .

هكذا تأتي مسرحية بنت الزناتي لتكسر التابوهات الجامدة والقيود التاريخية الثابتة , وتعيد للسير الشعبية إمكانات استخدامها كمصدر لمادة إبداعية جديدة ثائرة تموج وعيا وفكرا وجدلا ومساءلة , حيث يأخذنا الكاتب بكري عبد الحميد إلى مواجهة مأساوية ساخنة , تمزق أقنعة أبطال السيرة الهلالية , فكشف أبعاد الأعماق , طبيعة الصراعات , ملامح السلطة وأسرار العشق والجنس والسقوط , لتصبح تراجيديا الدم والموت هي المسار الحتمي الوحيد لطرح التساؤلات والبحث عن الإجابات , وفي هذا الإطار اللاهث المتوتر تقودنا بانوراما التفاصيل الغزيرة الدالة , إلى منطقة شائكة ينطلق عبرها هذا العرض الثري , الذي يبدأ في تلك اللحظة الفارقة حين استطاع " دياب بن غانم " , المحسوب على بني هلال – استطاع أن يسيطر بقوة على تونس الخضراء - , بعد أن عجز سلطان الهلالية عن احتلال المملكة الثرية , وأصبح أبناؤه الثلاثة الأمراء يونس , مرعي, ويحيي , أسرى في سجون الزناتي .

تمتد وقائع التسلط , ويعلن دياب بن غانم عن رغبته الآثمة في اغتصاب "سعدي " ابنة الخليفة , تلك المرأة الجميلة , ابنة المملكة القوية البعيدة , التي يحكمها الزناتي خليفة , الحاكم الذي عشق مملكته واعتبرها الأنثى التي تسكن أعماقه , فامتلكها وظل يمارس دراما وجوده من خلال نرجسيته واستبداده , فكل شيء في المملكة مختوم بختم الزناتي , وفي هذا السياق كانت ابنته الوحيدة سعدي هي زهرة فريدة الحسن طاغية الأنوثة , في أعماقها أشواق حارة لفارس لم يأت بعد , لكن العرافات والرمال أخبروها أنه سيأتي قريبا .

هناك في الشرق في صحراء نجد , كانت قبائل الهلالية تعيش زمن الأزمة والقحط والجفاف , وكان الحل الوحيد هو البحث عن مملكة غنية لغزوها , وهكذا يقرر السلطان أن يرسل أبا زيد الهلالي للبحث عن الخلاص في تونس حيث الخصب والثراء الفاحش , ويذكر أن شيوخ القبائل اجتمعوا على أن يذهب أبناء السلطان الثلاثة ليرافقوا الفارس المخلص في رحلته الصعبة , تلك الرحلة التي حققت نبوءة العرافات , فالتقت سعدي بمرعي فارسها المنتظر , وكانت المواجهة بين ابي زيد الهلالي والزناتي , وتفتحت مسارات الحب ومدارات الحرب والصراعات الوحشية على السلطة والأرض , وظلت علاقة سعدي بمرعي هي الشرارة التي فجرت جماليات الوعي والجدل في عرض التغريبة بنت الزناتي .

تتضح أبعاد المفارقة المدهشة التي يرتكز عليها العرض في أن السيرة الهلالية كما هي تطرح علاقة سعدي ومرعي باعتبارها قصة حب أسطورية تموج بالشرف والجمال والتضحية , بينما الحقائق تأتي مفزعة ومخيفة تتكشف أبعادها حين تفجرت رغبة دياب بن غانم في اغتصاب سعدي , التي تضطر إلى الاستغاثة بالهلالية لينقذوها من وحشية دياب , وفي هذا السياق يستدعي الكاتب المتميز بكري عبد الحميد - , يستدعي أبا زيد الهلالي وخضرة الشريفة والجازية وبعض الأمراء , ليحاكمهم ويعلن إدانتهم , وعبر الحوار المكثف تتمزق الأقنعة وتأتي تقنيات الفلاش باك لتكشف أبعاد قصة حب سعدي , ونعلم أنها خانت بلادها وخانت أباها الخليفة , حاولت قتله كما رأيناها على الشاشة وهي تمسك حربة دياب كي تسقط المملكة القوية , وفي سياق متصل يكشف العرض برشاقة مدهشة عن حقيقة دياب , الذي لا ينتمي فعليا إلى بني هلال , كما أنه يضع خضرة الشريفة في إطار المساءلة المنطقية حول حقيقة الأب الفعلي لابنها أبي زيد الهلالي , صاحب البشرة السمراء الداكنة , المشكوك في نسبه إلى أبيه المعلن , وبذلك يصبح الشك هو المنطق الأكثر حضورا في قلب هذه التجربة الخلابة , التي تضع كل علاقات وبطولات السيرة الهلالية في حيز التفكير العقلي والشك الجدلي , وتهز الثقة في أغنيات الرواة , وتؤكد أن الهلالية غزاة محتلون , محكومون بالخيانة والدم والمؤامرات , تلك الحالة التي بعثت اشتباكا حارا مع وقائع وجودنا العربي المسكون بالصراعات الدموية المفزعة , وهو ما منح العرض حضورا قويا يشاغب أعماق المتلقي , ويضع المسرحية في سياق معاصر حديث .

تشتبك جماليات الإخراج مع أبعاد التشكيل السينوغرافي , الحركة تفرض نفسها على الحالة الدرامية , قاعة العرض يلفها سور متهالك يموج بالدلالات , الشجرة الضخمة الجرداء تأخذنا إلى الأحداث في تونس , السجن المصنوع من الحبال القوية المتشابكة يضم الأمراء يونس ومرعي ويحيي , وحين تنتقل الأحداث إلى نجد تروي الموتيفات الأنيقة عن ليالي العرب , كرسي سلطان الهلالية يبوح بأسرار السياسة وجموح السلطة , المشاعل تشاغب الظلام وتكشف لحظات الحب والعشق والخيانة والمؤامرات , الجمهور يجلس بشكل دائري , والقرص الدوار المتحرك يتم توظيفه بأسلوب متميز , حيث نعود مع الحركة الخلفية إلى الماضي لنعايش تفاصيل حياة أبطال العرض .

بعثت المخرجة الجميلة منار زين حالة من الوعي والجمال والإبداع , جاءت رؤاها صادمة مسكونة بالمعرفة , استطاعت أن تسيطر على الزمن عبر تقنيات بسيطة متميزة , التصاعد الحار يبعث وهجا وحيوية واندفاعات , لغة الضوء الدرامي تأتي كسيمفونية من المشاعر والنبضات , الرؤى الجمالية الحديثة تؤكد أننا أمام فنانة تمتلك الموهبة والحضور والإيقاع , المزج الدقيق بين الأداء التمثيلي والأداء الحركي والحكي , يبعثون مواجهات الماضي والحاضر والمستقبل , الدلالات الحية تتخذ مسارها إلى عقل المتلقي , واللحظات النارية المسكونة بالمشاعر الوحشية , تتبلور عبر الدراما الحركية اللافتة , التي تابعنا من خلالها اندفاعات العشق والهوى والسقوط بين سعدي وحبيبها مرعي , وإيقاعات الصد والرفض والنفور بينها وبين دياب , الذي أراد اغتصابها , كي تسقط هي ومعها مملكة أبيها الخليفة , تلك الحالة التي جاءت منسوجة في صميم دراما العرض , والتي فتحت الأبواب أمام أساليب عصرية جديدة لرواية السير الشعبية , دون تجاوز جماليات الموروث الشعبي , الذي جاء مضيئا مشرقا متميزا عبر العزف الثري الجميل لفرقة الآلات الشعبية .

شارك في المسرحية الفنانة الجميلة فاطمة عادل , صاحبة الموهبة والحضور والأداء المدهش لشخصية سعدي المركبة , المشحونة بالتناقضات والمدفوعة إلى حضيض السقوط , أما الفنان محمد حفظي فهو يمتلك الكاريزما والوعي وسحر الأداء وعمق الإدراك , وشاركهما مجموعة كبيرة من الفنانين الواعدين .

كان الديكور لعمرو الأشرف , والتشكيل الحركي لمناضل عنتر , وكانت الموسيقى لهاني عبد الناصر , والأزياء لشروق سامي .  وايضا.. هند الصنعاني تكتب.. «من يؤتمن على العرض!» وأيضًا..https://www.facebook.com/anahwa2019

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,520 شراء 3,543
عيار 22 بيع 3,227 شراء 3,248
عيار 21 بيع 3,080 شراء 3,100
عيار 18 بيع 2,640 شراء 2,657
الاونصة بيع 109,472 شراء 110,183
الجنيه الذهب بيع 24,640 شراء 24,800
الكيلو بيع 3,520,000 شراء 3,542,857
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الخميس 04:58 مـ
16 شوال 1445 هـ 25 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:44
الشروق 05:18
الظهر 11:53
العصر 15:29
المغرب 18:28
العشاء 19:51