الحسين عبدالرازق يكتب: دولة التلاوة في دولة التلاوة!
أول ما صدح به الراديو عند افتتاح الإذاعة عام 1934، لم يكن موسيقى أو غناء، بل آيات بيّنات.
علاقة بلدنا بالتلاوة، وارتباط أهلها بالقراء، ليس ارتباطًا عاديًا أو سماعًا اعتياديًا. فمصر منذ عقود كانت موطنًا لأهل القرآن وخاصته، وستبقى بإذن الله حافظةً لكتاب الله.
من هنا كان إطلاق إذاعة القرآن الكريم يوم 25 مارس سنة 1964، بقرار من الدولة، بهدف حماية المصحف الشريف من النسخ المحرّفة، ونشر قراءات صحيحة موضّحة ومرتّلة. وكان رائدها الأول الشيخ محمود خليل الحصري.
سبقه الشيخ رفعت، الذي افتتحت الإذاعة المصرية – كما قلنا – إرسالها الأول بصوته.
أتى بعده، أو ربما كانوا معه، أصوات كثيرة أثيرة صنعت مدرسة كاملة في الأداء، وتركت أثرًا خالدًا في الوجدان المصري والعربي والإسلامي.
مشايخنا الكرام الراحلين: عبدالباسط، والمنشاوي، والشيخ مصطفى، والطبلاوي، وآخرون كثيرون لم يقرأوا في الإذاعة، أمثال القارئ سعيد نور، وعمّنا الشيخ أحمد صالح… عليهم جميعًا من الله الرحمة والرضوان، وكل قراء القرآن.
لم تكن أصواتًا جميلة فحسب، بل كانوا سفراء لبلدهم، صنعوا حالة وجدانية وثقافية خلقت للمصريين مكانة خاصة في قلوب شعوب الدنيا.
برنامج “دولة التلاوة” جاء ليذكّر الأحفاد بمجد الآباء والأجداد، ويحثّهم على إحياء ذلك الإرث العظيم.
وزارة الأوقاف المصرية، والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تعاونتا واتحدتا على إنشاء منصة جديدة للبحث عن أصوات فريدة، تهدف إلى ضمان جودة الأداء لأبنائنا القراء، ما يعكس اهتمام جمهوريتنا الجديدة بالحفاظ على مكانتنا الريادية في المشهد الثقافي والإعلامي، وهذا يُحسَب لهما.
ردّ الفعل الشعبي، ورجع الصدى الفوري، كان شيئًا مذهلًا. الناس عادت تستمع، تتناقش، تُفاضل، وتتباين في الآراء حول شبابنا القراء.
بدأت البيوت تستعيد طقس الاستماع والاستمتاع الجميل الذي كان قد غاب بعض الشيء!
المصريون بطبعهم مؤمنون، لآيات ربنا محبّون؛ هكذا كانوا، وهكذا سيبقون.
نجاح برنامج “دولة التلاوة” بعث برسالة تقول إن مصر قادرة على استرداد ريادتها الإعلامية إذا ركّزت على نقاط قوتها وعبّرت عن هويتها.
شكرًا وزارة الأوقاف، شكرًا للشركة المتحدة.
حفظ الله مصر.







