احتفالات أكتوبر... ذكرى توحد العرب في وجه التحديات


يعد يوم السادس من أكتوبر 1973 محطة فارقة في التاريخ العربي الحديث، حيث خاضت مصر وسوريا حربا مصيرية لاستعادة الأراضي المحتلة منذ نكسة 1967، لم تكن تلك الحرب مجرد مواجهة عسكرية بين جيوش ودول، بل تحولت إلى رمز للوحدة العربية حينما اصطفت الشعوب والحكومات صفا واحدا في معركة المصير المشترك، ومن هنا تأتي أهمية الاحتفال بذكرى أكتوبر كل عام، باعتبارها مناسبة لاستحضار أمجاد الماضي وتجديد الإيمان بقدرة الأمة على التوحد في مواجهة التحديات.
مع بداية الحرب، بادرت معظم الدول العربية إلى تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لمصر وسوريا، فقد استخدمت الدول المنتجة للنفط سلاحها الاستراتيجي بوقف تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل، وهو ما غير موازين القوى على الساحة الدولية، كما انخرطت جيوش عربية مباشرة في القتال، ليؤكد ذلك أن المعركة لم تكن قطرية تخص مصر وسوريا وحدهما، بل كانت معركة قومية تبناها العرب جميعًا.
كان للمغرب حضور بارز في حرب أكتوبر، سواء على مستوى القيادة السياسية أو من خلال الجيش والشعب، فقد أمر الملك الحسن الثاني بإرسال تجريدة مغربية قوامها 11 ألف ضابط وجندي مدعّمين بمئات الدبابات والطائرات المقاتلة من طراز F-5، شاركوا في الجبهة السورية بمنطقة الجولان، حيث خاضوا معارك ضارية ضد الجيش الإسرائيلي، كما شاركت وحدات من القوات الجوية المغربية في طلعات قتالية إلى جانب القوات المصرية والسورية.
اقرأ أيضاً
اختلاف موعد عيد الفطر بين الدول العربية والإسلامية، والفلك يوضح الأسباب
السفيرة فوزية زينل: جامعة الدول العربية منبر الوحدة وصوت القضايا العادلة في ذكرى تأسيسها الـ80
رئيس الأعلى للإعلام يستقبل أمين عام مساعد جامعة الدول العربية للإعلام والاتصال
هند الصنعاني تكتب: 6 أكتوبر.. عندما شارك المغرب في معركة الكرامة من أجل مصر وسوريا
مسئولة أممية: شراكة قوية مع الدول العربية لتعزيز مسألة مكافحة الفساد
فى اليوم العربي للاستدامة.. جامعة الدول العربية تكرم وزيرة التضامن
الرئيس الفلسطيني يدعو قادة الدول العربية إلى عقد قمة طارئة
سحر الجعارة: ما نعيشه الآن يؤكد سقوط جامعة الدول العربية ولا شرعية لأحد بعد اليوم
”انا حوا” ينشر نص كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية في قمة القاهرة للسلام
بالفيديو.. إضاءة مبنى جامعة الدول العربية بألوان علم فلسطين
أمين جامعة الدول العربية يتلقى مبادرة من وفد المجتمع النسوي السوداني لوقف الحرب
”انا حوا” ينشر نص كلمة الرئيس السيسي أمام قمة مجلس جامعة الدول العربية بجدة
قدم المغرب عددا من الشهداء، كان على رأسهم الجنرال الصفريوي ومساعده عبد القادر العلام، اللذان استشهدا بقذيفة فسفورية إلى جانب جنود مغاربة آخرين، ولم يقتصر الدعم المغربي على الجانب العسكري فقط، بل شمل أيضا إرسال أسلحة وعتاد عسكري، وتعزيز الجسور الجوية والبحرية لنقل المساعدات، وعلى الصعيد الشعبي، نظّم المغاربة حملات تبرع بالدم وجمع التبرعات لدعم المجهود الحربي، في مشهد جسّد عمق التضامن الشعبي العربي.
حرب أكتوبر التي يطلق عليها في إسرائيل "حرب يوم الغفران" أو "يوم الكيبور"، مثلت صدمة عسكرية ونفسية لإسرائيل، فقد جاء الهجوم في يوم مقدس لدى اليهود يلتزمون فيه الصيام والانعزال، مما جعل عملية التعبئة المنتظمة لقوات الاحتياط شبه مستحيلة، هذه المفاجأة الاستراتيجية أدت إلى خلخلة "أسطورة الجيش الذي لا يُقهر"، بعدما تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف، وأجبر إسرائيل على القبول بالسلام وفق شروط جديدة.
لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة لتحرير الأرض المصرية والسورية، بل كانت نقطة تحول كبرى في التاريخ العربي، فقد أظهرت للعالم أن العرب قادرون على فرض إرادتهم إذا توحدت كلمتهم، وأسهمت في إعادة رسم خريطة القوى الدولية بعد أن وجدت الولايات المتحدة والغرب أنفسهم أمام معادلة جديدة فرضتها الإرادة العربية.
بعد مرور أكثر من خمسين عامًا، ما زالت مصر والعالم العربي يستحضرون لذة الانتصار، لقد حمل الشعب المصري شعار "ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة"، وتحوّل إلى بطل جماعي صنع ملحمة عبور خالدة أرغمت إسرائيل على الانسحاب من سيناء، وكانت مشاركة الدول العربية، وعلى رأسها المغرب، سندا كبيرا عزز النصر ورسخ وحدة الصف العربي.
تبقى احتفالات أكتوبر مناسبة لاستحضار ملحمة عربية نادرة جمعت الشعوب والدول حول هدف واحد، وأثبتت أن الأمة قادرة على مواجهة التحديات متى توحدت إرادتها، ويظل دور المغرب في هذه الحرب صفحة مشرقة في سجله الوطني والقومي، تعكس التزامه الثابت بالقضايا العربية ووحدة الصف، وهكذا، يطل علينا شهر أكتوبر من كل عام محمّلا بنسمات الفخر والعزة، ليذكّرنا بأن النصر يولد من التكاتف والإيمان بعدالة القضية، وأن دماء المصريين والمغاربة والسوريين وغيرهم من أبناء العرب امتزجت على أرض المعركة لتكتب تاريخا خالدا لا يُمحى.