اكتئاب الأعياد، كيف نتغلب على الفراغ النفسي في العطل؟

كشفت مستشارة علم نفس العمل، هاجر القايدي، عن ظاهرة نفسية تزداد وضوحًا في فترات الإجازات، تُسمى بـ"اكتئاب الأعياد"، وهي حالة من التوتر والقلق التي تصيب بعض الأشخاص الذين يعانون من مشاعر عدم الارتياح خلال العطل والمناسبات، وهذه الظاهرة، التي غالبًا ما تُتجاهل أو تُفهم بشكل خاطئ، قد تكون في الواقع انعكاسًا لمشكلة أعمق تتعلق بكيفية إدارة الشخص لأدواره في الحياة.

وفي حديثها خلال استضافتها في بودكاست "فنجان"، أوضحت القايدي أن بعض الأشخاص يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالعمل، ليصبح مصدرًا رئيسًا لإنجازاتهم وهويتهم الشخصية، وهذا الارتباط المفرط بالعمل يجعلهم عرضة للأفكار السلبية والشعور بالضياع عندما يتوقف نشاطهم المهني كليًا أو جزئيًا، كما يحدث خلال فترات العطلات.

العمل كمحور رئيسي للحياة

وأشارت القايدي إلى أن هؤلاء الأشخاص الذين يرون في عملهم المصدر الوحيد لتحقيق الذات والشعور بالإنجاز، يصابون بالحيرة والفراغ العاطفي عندما يتوقفون عن العمل، وقالت: "عندما يُصبح العمل هو المحور الأساسي في حياة الفرد، فإن الشخص يفقد القدرة على التعامل مع الفراغ النفسي الذي يظهر عندما يتوقف هذا النشاط"، وأضافت أن هذا الفراغ قد يتسبب في تساؤلات وجودية مثل: "من أنا إذا لم أكن موظفًا؟" أو "ما معنى الحياة إذا لم يكن هناك هدف ملموس لتحقيقه؟"، وهذه التساؤلات قد تؤدي إلى نوبات من القلق والاكتئاب العميق.

تعدد الأدوار كحماية نفسية

وأكدت القايدي على ضرورة تبني أدوار متنوعة في الحياة، وليس الانحصار في العمل فقط، والعلاقات الأسرية، الصداقات، الهوايات، والأنشطة الاجتماعية المختلفة يمكن أن توفر دعمًا نفسيًا قويًا يحمي الشخص من الوقوع في دوامة الفراغ أو الاكتئاب، خاصة في أوقات الإجازات، وأشارت إلى أن الأشخاص الذين يحققون توازنًا بين هذه الأدوار المختلفة، يتمتعون بقدرة أكبر على التكيف مع تحديات الحياة، ويشعرون باستقرار نفسي حتى في الأوقات التي تتوقف فيها أنشطتهم المهنية.

نصائح للتغلب على اكتئاب الأعياد

قدمت القايدي مجموعة من التوجيهات التي تساعد الأفراد على تجاوز مشاعر الفراغ والتوتر خلال فترات الإجازات:

• تنويع الأنشطة: البحث عن هوايات جديدة أو الانخراط في أنشطة ممتعة يمكن أن يساعد في ملء الفراغ الناتج عن انقطاع العمل.
• تعزيز الروابط الاجتماعية: التواصل مع الأهل والأصدقاء يعزز الدعم العاطفي ويقلل من الشعور بالعزلة.
• إعادة ترتيب الأولويات: ينبغي على الفرد إعادة النظر في كيفية تنظيم وقته، والتأكد من أن العمل ليس المصدر الوحيد لاهتمامه
• العناية بالنفس: ممارسة الرياضة، التأمل، أو قضاء وقت في الطبيعة يمكن أن يساهم في تحسين المزاج العام والتخفيف من القلق.

رسالة للمجتمع

وفي ختام حديثها، دعت القايدي إلى ضرورة تغيير النظرة التقليدية التي تربط قيمة الإنسان فقط بقدرته على الإنتاج المهني، وقالت: "علينا أن نفهم أن الإنسان ليس مجرد موظف، بل هو كائن متعدد الأبعاد، وتحقيق الذات يمكن أن يتحقق عبر علاقات إنسانية، إبداع شخصي، أو حتى بالتمتع بلحظات بسيطة في الحياة".

وأضافت أن التعامل مع هذه الظاهرة بشكل صحيح يمكن أن يساعد العديد من الأفراد على الاستمتاع بحياتهم بشكل أكثر توازنًا، بعيدًا عن تأثيرات ضغوط العمل، موضحة أن "اكتئاب الأعياد" ليس مجرد مشاعر مؤقتة، بل هو مؤشر لحالة نفسية عميقة تحتاج إلى الاهتمام والتفهم، وبتبني نمط حياة متوازن ومتعدد الأبعاد، يمكننا جميعًا التغلب على هذا التحدي والاستفادة من فترات الإجازة كفرصة لإعادة شحن طاقتنا واستكشاف جوانب جديدة في حياتنا.