الجمعة 7 فبراير 2025 06:37 صـ 8 شعبان 1446هـ
أنا حوا

رئيس التحرير محمد الغيطي

المدير العام منى باروما

يحدث الآن
فنون وثقافة

السيناريست عماد النشار يكتب: أثــــــيــــــــم

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

هبط مولدي الأول في الذكرى الخامسة والثلاثين ليوم اقتران قدميّ بالأرض، وما زال الجميع ينادونني بـ(أثيم)، رغم تسكيني في خانة الاسم بـ(طاهر) منذ الأزل.

"كل عيل بينزل معاه اسمه ورزقه."

هكذا كانت تجيب جدتي ذات الأصول التركية نساء الحي الحُبْلى، اللواتي كنّ يلجأن إليها كي تمنحهن اسمًا لمولودهن المنتظر لأمر الهبوط، ليكون لهم نصيب من الجمال، والهيبة، والثراء.

اقرأ أيضاً

لم أنتبه في طفولتي وصباي أنني "ذنب" يدب ويرتع على الأرض، ورغم ذلك، له كل حقوق المواطنة التي كفلها له الدستور، شأنه شأن سائر المواطنين من قبل ومن بعد.

"هو كل يوم فول وعدس وبصل يا ستي؟ أنا قربت أنهق ويطلع لي ديل!"

فكيف أكون ذنبًا يحيى بينهم وأنا آكل مما أُخرج لهم من الأرض؟ لم أشتهِ يومًا ربع جمر مشكل بالسلطات، أو كنزاية حميم بالصودا مشبَّرة!

والله ربي، والإسلام ديني، ومحمد رسولي، والقرآن كتابي، والكعبة قبلتي، كما يردد أغلبيتهم على الحي والميت.

أحببت "أثيم" من حب أقراني وأهل حيي لحامله، وتعلقت به، ودائمًا ما كنت العينة النموذجية التي يشير عليها الآباء لأبنائهم. فبرغم يتُمي مع إيقاف التنفيذ لانفصال والدي عن بعضهما بعد فشل عملية الالتحام، التي لم تدم لأكثر من عام بعد هبوطي، التحما بعدها سريعًا بجسمين آخرين، إلا أن تلك الظاهرة لم تنل مني، ولم تحدث التشوهات المعتادة جراء انفجارها العظيم، بل على العكس، لم أشعر لحظة بافتقادهما، بعدما استطاعت جينات جدتي لأمي أن تجعلني ملكًا صغيرًا تحت وصايتها، وأخذت تُعدّني بكل ما أوتيت من وعي وثقافة ليوم التتويج والجلوس على العرش.

لا أتذكر كم مرة بالتحديد سألتها عن أبي وأمي، كسؤال فطري وبديهي، بل لم تدفعني الغيرة من أقراني يومًا، عندما كانوا يرددون "أبي وأمي" أمامي، للشعور بالحرمان منهما، والأكثر من ذلك لم أتحرج من إلحاحهم لمعرفة سبب غيابهما المستمر، وبماذا يعملان وأين يقطنان.

كنت أرى سعادتهم في اليوم الذي يذهبون فيه لزيارة الجدات في أيام الجمع والعطلات والأعياد، أو عندما يأتين هنّ لزيارتهم، وكانوا يحسدونني على إقامتي الدائمة مع جدتي بعيدًا عن سيطرة الآباء.

"يا بختك يا عم، لا أب يشخط ويضرب، ولا أم تحرضه عليك!"

2."بقى أنت يا خطيئة، يا اللي اسمك أثيم، جهنم، تطلع الأول في الإعدادية، وابني اللي بيحفظ كتاب الله يادوب يجيب درجة النجاح؟!"

لفحني فحيح الشيخ خلف، سادن ميكروفونات المسجد الملاصق لمنزله، والإمامة، والمنبر، والخطابة، والميضة، ودورات المياه، وصندوق النذور والتبرعات، وصاحب الفضيلة والسماحة، كما يشدد على رواد المسجد وأهالي الحي أن يخلعوا عليه هذه الألقاب، لإسباغ الهيبة والوقار على العلماء ذوي اللحوم المسمومة.

لا يخلو سطح منزل بالشارع من ميكروفون للمسجد، كما أفتى الشيخ خلف وحث السكان على ذلك، كي تصير كلمة الله هي العليا، وكي يفوّت الفرصة على أهل الخير لجمع تبرعات لبناء مسجد آخر ينافسه.

"الله أكبر"، يرفع لواءها خمس مرات في اليوم والليلة، بصوته القبيح، زاعقًا بها كأنها نداء حرب، أو صافرات إنذار يهرع على إثرها السكان إلى مخبئه المقدس، خشية أن تصيبهم قنابل الغارات التي تصب الجحيم على رؤوسهم صبًّا.

لا تحتفظ حنجرة الشيخ خلف إلا بآيات العذاب، والترهيب، والوعيد. ثلاثة فروض جهرية يأخذ المصليون قسطهم من النار كأصحاب الشمال، حتى الصلوات السرية لم ترحمهم أحبال حنجرته، التي تغلّهم وتسلكهم لعذاب القبر، عقب انتهائه من التسليم مباشرةً، ليحدثهم عن أهواله، كأنه المشترك الوحيد في القناة المحتكرة لبث وقائعه!

"هو إحنا خرفان في سلخانة يا عم الشيخ؟ ده إحنا حتى في بيت ربنا الرحمن الرحيم، وفي يوم عيد كمان!"

اعترض بها أحد المصلين البسطاء، وهو يرتجف فزعًا، بعدما فرغ الشيخ من صلاة مغرب أول أيام عيد الأضحى، التي تلا في ركعتها الثانية آية الذكر الحكيم من سورة الحاقة:

{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ ٱلۡجَحِیمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِی سِلۡسِلَةࣲ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعࣰا فَٱسۡلُكُوهُ}

هكذا نالني قسط من جحيم الشيخ نافلةً، خصّني بها بعيدًا عن صلواته، وصهرت السنة النار المتطايرة من حلقه فرحتي بالتفوق، وأذابت معها شدو الزغاريد وعبارات التهاني، التي انطلقت من أفئدة تراني "أثيم" بلا خطيئة اقترفتها تستحق جهنم المستعرة في قاعه هو فقط، وأحالت كل ذلك إلى رماد لم يفلح في غض طرفي عن البحث والتنقيب عن الخطيئة المرادفة لاسمي الذي أحببته من حب أقراني وجيراني لحامله.

هل كان أقراني وجيراني يدركون معنى اسمي وسبب نعتي به؟ ورغم ذلك، لا يحلو لهم مناداتي إلا به، ويحيطونني بكل الود والمحبة؟ هل كانوا ذنوبًا أمثالي، ويتوارون خلف أسماء تبرّئهم أمام المجتمع والقانون؟! إلى هذا القدر كانوا يعشقون الخطيئة، ويرونني العينة النموذجية للذنب الوسطي الجميل! أم كانوا يتوقون الفرار إلى جهنم، إيمانًا بتلاوات الشيخ في صلواته، لينعموا بالعذاب كجزاءٍ وفاقًا لا يستحقون غيره، وأنا شفيعهم في ذلك؟

"هو بس اللي طلعها عليك، وأهي ردت في صدره، بتقتله كل يوم بيشوفك فيها البريمو! سيبك منه، ده شيخ بصورم!"

كانت هذه أول مرة أتعرف فيها على "أثيم" الذي أحببته نطقًا ومعنى، بعدما ألححت على جدتي التي أشفقت عليّ من بكائي يوم تفوقي، وراحت تُخرج طرف لسانها وهي تضغط على حرف الثاء، بعدما أجابت بالمرادف باقتضاب، بينما لم تفصح لي عن باقي اللغز الذي جعل الشيخ ينعتني بهذا الاسم.

ورحت ألحّ عليها تارة أخرى عن ماهية العدوان الذي شننته في رحم أمي، جعل القابلة تعرف أني "أثيم"، وأنا ما زلت قطعة لحم حمراء، تقلبني بين أصابعها وهي تقطع حبلي السري!

هل للقابلات تلك القدرة العجيبة على قراءة أسرار الملائكة المنقوشة على الحبل السري؟! وكيف تبوح بسرّي للشيخ خلف؟! أليس للقابلات شرف مهنة، ويمين قسم، وقانون يجرّم إفشاء أسرار الأجنة؟! بل الأدهى من ذلك، كيف يكون اسمي "طاهر" منذ الأزل، ومع ذلك لم يُرفَق معي شهادة ضمان بحسن السير والسلوك؟!

إذاً، فأنا "طاهر صيني" و"أثيم أصلي"!

"إنت طاهر أصلي، وأثيم بير سِلِّم!"

قالتها جدتي وضحكت، وهي تمسك ريموت التلفزيون تبحث في قنواته، تطالبني بعدم التفكير في هذا الأمر الذي وصفته بالتافه، حتى لا يشغلني عن طريقي المؤدي لحفل التتويج يوم الجلوس على عرش إحدى كليات القمة، والذي أصبحت على بُعد خطوات منه، بعدما اجتزت بعض درجاته بتفوق، التي أفضت بي إلى أولى عتبات الثانوية العامة.

هدأت قليلاً من بلسم جدتي، الذي راح لسانها ينثره على أرجائي، إلا من بعض الوخزات التي تعهّد بها شيطان عقلي، مستعينًا بلسان الشيخ خلف.

"وحياة قلبي وأفراحه وهناه في مساه وصباحه"

وجدت جدتي ضالتها، ورفعت صوت العندليب، وراحت تصفق وتتمايل طربًا لشدوه، فرحًا بنجاحه، قبل أن يصفعه زوج أمه "محمود"، بدون شيخ، ولكن بـ "صورم".

"جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت!"
تجولت مع المخرج على المواخير، والحانات، وعلب الليل، وبيوت البغاء، وأعتاب المساجد الموصدة، وأقسام الشرطة، بعدما أسند لي الشيخ خلف دور بطولة جزء جديد من الخطايا.

لكن فضيلته غفل عن يتُمي مع إيقاف التنفيذ منذ العام الأول لهبوطي، واقتران قدماي بالأرض، وأن الجسمين الملتحمين بأبويّ منذ الانفجار العظيم، الذي أعقبه انفصالهما عن بعضهما، أحكما سيطرتهما عليهما، وأصدرا لهما الأوامر بعدم الاحتكاك بي حتى عن بعد، ومنعا عنهما إرسال الإشارات لي، وتمت برمجتهما على ذلك بخوارزميات يستحيل فكّها، خشية مغبة تشويش يعيد إليهما ذاكرة التحام جسديهما، الذي كان على سنة الله ورسوله، لعلها تنشّط لهما لذة غنجة هنا أو فحولة هناك، ربما افتقادها الآن في معامل مضجعهما بعد التحديث وإعادة الضبط.

استفقت على صوت ارتطام الريموت بالأرض، أعقبه شخارات جدتي التصويرية. التقطت الريموت، ورحت أبحث بين القنوات، حتى توقفت داخل الأجزخانة:

"الحق البنت يا مصطفى! أنا بدل ما أحط في التركيبة خمسة سنتي سلفات ماغنسيوم ونص سنتي سلفات نحاس، حطيت نص سنتي سلفات ماغنسيوم وخمسة سنتي سلفات نحاس! كده قبل الدوا ما يدخل جوف المريض هيكون مات!"

"وجدتها! هكذا صرخت، بعدما اكتشفت سر "الغلطة" التي جعلتني في المهد "أثيم"، بالثاء التي دلّدَل من أجلها لسانه الشيخ خلف، وراح يضغط على الحرف كقطعة معدن بين فكي منجلة، يطرق عليها بكل ما أوتي من قوة، ليشكلها كما يريد، قبل أن يلقيها في جوف كيره المتأجج بالحقد، كي تتطبّع كما شاء لها."

"اطمأن قلبي بعدما 'وجدتها' وأيقنت أن أبي أخطأ في نسب التركيبة التي ألقاها في بويضة أمي دفعة واحدة قبل أن يصل إليها حكمدار العاصمة."

السيناريست عماد النشار أثــــــيــــــــم

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,520 شراء 3,543
عيار 22 بيع 3,227 شراء 3,248
عيار 21 بيع 3,080 شراء 3,100
عيار 18 بيع 2,640 شراء 2,657
الاونصة بيع 109,472 شراء 110,183
الجنيه الذهب بيع 24,640 شراء 24,800
الكيلو بيع 3,520,000 شراء 3,542,857
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 06:37 صـ
8 شعبان 1446 هـ 07 فبراير 2025 م
مصر
الفجر 05:13
الشروق 06:41
الظهر 12:09
العصر 15:14
المغرب 17:37
العشاء 18:56