وفاء أنور تكتب.. العلاقات الاجتماعية بين المد والجزر


يجب علينا أن نقوم بخفض سقف توقعاتنا نحو بعض من تجمعنا بهم علاقات اجتماعية غير عادلة، فحسن ظننا المطلق بإمكانية تغييرهم سيبرر لنا استمراريتنا في التعامل معهم بنفس طريقتنا التي فطرنا عليها فأخلاقنا الممتزجة بالرقة واللطف لن تمنعهم يومًا عن مضايقتنا والاستخفاف بمشاعرنا.
إن عالمنا المتغير سيجبرنا حتمًا على اتخاذ قرارات هامة وعاجلة، قرارات تفصل بيننا وبين بعض من يسيئون إلينا؛ من يتعمدون جرحنا بلهجة حديثهم معنا وعمق فظاظتهم، فنقاء أرواحنا الممتد بداخلنا كالوتد وتمتعنا برصيدنا الضخم من الأخلاق والأدب سيجبرنا على اتخاذ خطوات ضرورية للانسحاب من المشهد، والعودة سريعًا نحو الخلف.
لقد مللنا تكرار تجارب كللت أغلبها بخذلاننا، سئمنا علاقات ربطت بيننا وبين من لا يشبهوننا، فضلنا وحدتنا على تواجدنا معهم بقلب ساحتهم، آثرنا البقاء بعيدًا لنتجنب الدخول في مهاترات ونزاعات لا تنتهي، لقد كشف الغطاء عن أعيننا أخيرًا، غطاء كان يخفي خلفه صورتهم الأصلية، زالت غشاوة توارت خلف حجبها ثقة لا يستحقونها، إن هذه الثقة إن لم تكن متبادلة فلا خير في علاقات تجمعنا بأصحابها.
إن التجارب السيئة التي مرت بنا أثقلت ظهورنا وأرهقت قلوبنا وأرواحنا الطيبة، نالت منا ومن سلامنا النفسي ما نالت وأخذت منه ما أخذت، إن التعثر أثناء السير وارد والسقوط جائز أيضًا، لكن البقاء في الأسفل خطأ فادح، وخطر يهدد معظمنا؛ فالوعي يبرهن لنا في كل مرة عن صدق مقصده، الوعي يجذبنا بقوة نحو تحقيق سلام أنفسنا؛ فعلينا ألا نتجاهله.
علينا أن نجعل خطواتنا تسبق خطواتهم؛ نرقب حركاتهم وسكناتهم، نتوقع أن ترفعنا أمواج بحورهم الغادرة ثم تسقطنا عمدًا لنمكث في الأعماق إلى آخر العمر، علينا أن نخضع علاقاتنا لقانون المد والجزر، لنتجنب شعورًا قاسيًا بالندم، إن سعينا للنجاة بأنفسنا ليس أمرًا هينًا؛ فالابتعاد عما يؤذينا جزء من عقيدتنا السليمة.
إن الانسحاب من حلبة جدالهم بطولة، والابتعاد عنهم أمر محمود ومستحب أيضًا، فهؤلاء يجري الجدال منهم مجرى الدماء في عروقهم، لن نصل معهم أبدًا إلى نتائج طيبة أو مرضية، فلم البقاء بجوارهم؟.
الرائعون فقط هم من يعلمون قدر عطائنا وقيمة محبتنا الخالصة لهم، من يبادروننا بمحبتهم ويقتسمون معنا سعادتهم، من يقدروننا، ويرفعوننا حيث مكانتنا التي نستحقها وأكثر.