بقلم: هند الصنعاني
”عائشة الشنا” المرأة التي ثارت على التقاليد
هي سيدة ليس لها مثيل، تحدت المجتمع ووقفت في صف نساء منبوذات، نقش اسمها من ذهب في سجل العمل الاجتماعي و الإنساني في المغرب، هي رمز لكفاح النساء من أجل النساء، هي المناضلة الاجتماعية عائشة الشنا.
كرّست عائشة ما يقارب أربعين عاما من حياتها للدفاع عن الأمهات العازبات وأبنائهن المولودين خارج مؤسسة الزواج والذين يلفظهم المجتمع، يصفها البعض بـ”الأم تيريزا”، ويناديها البعض الآخر بـ”أمي عيشة” في حين ينعتها خصومها بـ”المدافعة عن الرذيلة”، كانت بطلة حلقتنا تعي تماما أنها تَجُرُّ على نفسها الكثير من الانتقادات والمخاطر بكسرها “طابو” من “الطابوهات” المجتمعية، وتشريح عقلية واسعة من شرائح المجتمع الرافض مسبقا مناقشة فكرة وقوع حملٍ خارج إطاره الشرعي، لكنها تحدت معارضيها وآمنت رغم الصعوبات بمشروعية مبدئها الجريء، وهو ما جعلها تنال تقديرا واحتراما كبيريْن داخل المغرب وخارجه.
عائشة الشنا من مواليد الدار البيضاء 14 غشت 1941. توفي والدها بعد أربع سنوات من ولادتها، إحساسها باليُتم عزّز لديها الشعور بوقع التضامن الأسري، وأثبتت أن فاقد الشيء هو الأجدر بالبذل والعطاء. انتقلت للعيش في مراكش ثم عادت للدار البيضاء عام 1953، وأكملت دراستها الثانوية في مؤسسة “فوش إي جوفر”، وفي سنة 1960 شرعت في التدريب على مهنة التمريض بالمدرسة الوطنية للتمريض، وانخرطت في العمل الجمعوي بين 1962 و1980 بصفتها مساعدة اجتماعية، كما التحقت سنة 1972 بالاتحاد النسائي العام في الدار البيضاء.
وكان صيف سنة 1981 نقطة فارقة في مسار العمل الإنساني والتضامني لعائشة الشنا بعد أن كانت شاهدة على مأساة أثرت في نفسيتها بشكل كبير، لأم لم تتجاوز 18 عاما وهي ترغب في التخلي عن رضيعها الذي ولد نتيجة علاقة غير شرعية ورفض الأب الاعتراف به، مما اضطرها للتخلي عنه كحل للهروب من مواجهة محيطها العائلي والمجتمع.
لم تنس الشنا يوما مشهد الأم في مكتب المساعدة الاجتماعية بوزارة الصحة، وهي توقع على ورقة تنازلها عن فلذة كبدها، بينما يسمك بها الرضيع ويبكي، ومنذ ذلك اليوم قطعت الشنا وعدا على نفسها بأن تهب حياتها لخدمة قضايا المرأة لاسيما منهم الأمهات العازبات، وتكون لهم بمثابة أم تحميهم من الشارع والخوف والضياع.
رئيسة جمعية التضامن النسوي، ناضلت لعقود للدفاع عن حق الأم العازبة في الاحتفاظ بابنها، عملها في هذا المجال فترة الثمانينيات اعتُبر ثورة ضد التقاليد، واتُّهِمت بإدخال عصرنة سلبية وسط المجتمع المغربي المحافظ، كما أدان بعض الأئمة في المساجد عملَها، إذ تقول في هذا الجانب “سمعت الكثير من الانتقادات، لكن ما يحزُّ في النفس أن هذا الكلام صادر عن أناس مرموقين ومثقفين يروْن ما أقوم به تشجيعا على الفساد”، وأضافت “تلقيت الكثير من التهديدات؛ منها أن رجلا قام باغتصاب ابنة زوجته التي لا تتعدى العامين ونصف، فحُكم عليه بالسجن، أقسم وهو بداخله أنه سيطعنني بسكين في أحشائي ريث خروجه منه”، لكن كل هذه التهديدات لم تحل دون إيمانها بقضيتها، فالإنسان في هذه الحياة مُسخَّر للقيام برسالة ما.
تهتم الجمعية بمساعدة الأمهات العازبات على اكتساب مهارات مختلفة لتأمين مستقبل أفضل لهن ولأطفالهن، كما تعمل المؤسسة على إعادة بناء ثقة الأمهات بأنفسهن، والسعي وراء تغيير واقعهن نحو الأفضل، وهو ما عبرت عنه في أحد تصريحاتها بقولها “تدخل الأم منهن إلى الجمعية وهي مطأطأة الرأس، وتخرج منها بهامة مرفوعة وهي حاملة ابنها بيديها، ومتعلّمة حِرفة، والأهم من ذلك تعلمت أن تقول بكل إباء أنا أم”، بالإضافة إلى أن الجمعية عملت على لم شمل الكثير من الأسر، ونالت اعتراف العديد من الرجال بأبنائهم وسمحت حتى بتزوج بعضهم بالأمهات، ومنهم من يعيش حياة طبيعية كباقي المغاربة.
حصلت عائشة على العديد من الجوائز اعترافا بعملها الجمعوي لأكثر من نصف قرن، وعرفانا بجميل صنيعها الإنساني فتحت أمامها أبواب الاعتراف الوطني والدولي، فحازت في العام 1995 على وسام الاستحقاق في حقوق الإنسان من الجمهورية الفرنسية، وبعد سنوات نالت جائزة الأطلس، ثم وُشِّحت من قبل جلالة الملك محمد السادس بالميدالية الفخرية سنة 2000، ثم جائزة إليزابيث نوركال سنة 2005، أما في سنة 2009 حازت الشنا على الجائزة الدولية “أوبيس” للأعمال الإنسانية الأكثر تميّزا عن جهودها ونضالها المستميت دفاعا عن الأمهات العازبات، وإعادة تأهيلهن ذاتيا ومجتمعيا، إذ قدّمت الجهة المانحة للجائزة مبلغ مليون دولار كمساعدة لجمعيتها بغية استكمال مشروعها النبيل، لتكون بذلك أول امرأة عربية تحصل على هذه الجائزة.













