لماذا نضحي بأنفسنا لإرضاء الآخرين؟، رحلة نفسية لاكتشاف الذات


يعيش العديد من الأشخاص في دوامة محاولة إرضاء من حولهم، حتى لو كان ذلك على حساب هويتهم الحقيقية، سواء كان الأمر يتعلق بتغيير المظهر أو تبني سلوكيات لا تعبر عنهم، يسعى البعض لتلبية توقعات الآخرين، تاركين أنفسهم أمام شعور بالفراغ الداخلي، وهذه الظاهرة، التي تستحوذ على الكثيرين، استكشفتها المعالجة النفسية مويا سارنر في مقال نشرته صحيفة "الجارديان"، مستعرضة تجربتها الشخصية في مواجهة هذا التحدي.
الذات الزائفة: قناع نرتديه
تكشف سارنر أنها، بعد سنوات من التحليل النفسي، أدركت أن رغبتها المفرطة في إرضاء الآخرين لم تكن انعكاسًا لشخصيتها، بل محاولة لتلبية ما تظنه توقعات المحيطين بها، وأشارت إلى أن النساء غالبًا أكثر عرضة لهذا السلوك بسبب الضغوط الاجتماعية المرتبطة بالمظهر والسلوك، لكن هذه الظاهرة قد تصيب الجميع. استندت إلى مفهوم "الذات الزائفة" الذي صاغه المحلل النفسي دونالد وينيكوت، موضحًا أنها تنشأ عندما يشعر الطفل أن مشاعره الحقيقية - كالغضب أو الجوع - لا يمكن لمقدمي الرعاية استيعابها، فيحل محلها سلوك يهدف إلى إرضاء الآخرين، مخفيًا الذات الحقيقية.
يصف وينيكوت هذه العملية بأنها إعادة صياغة لا واعية للرغبات، حيث يصبح الفرد نسخة مشوهة تتماشى مع توقعات المجتمع، تاركًا فراغًا داخليًا يحل محل الشعور بالهوية الأصيلة.
رحلة تقبل الذات
خلال رحلتها، واجهت سارنر لحظات مقلقة عندما اكتشفت مشاعر سلبية كامنة بداخلها، مثل الخوف والحسد، وفي البداية، اعتبرتها عيوبًا يجب استئصالها، لكنها أدركت لاحقًا أن هذه المشاعر جزء من كونها إنسانة، وتقبل هذه العيوب فتح الباب أمام اكتشاف جوانب إيجابية في شخصيتها، كالتسامح والشجاعة والمرونة، مما أحدث تحولًا جذريًا في حياتها.
تؤكد سارنر أن الاعتراف بالذات الحقيقية، بكل تناقضاتها، هو السبيل لتحقيق التوازن النفسي، وبدلاً من السعي لإرضاء الجميع، يمكن للإنسان أن يجد قوته في احتضان عيوبه ومزاياه على حد سواء، ليعيش حياة أكثر صدقًا وسعادة.