منى نشأت تكتب: بعينك.. ستعرف ابنتي.. أني


صغيرتي عاشقة الطبيعة. وكل ما هو طبيعي. تستنشق نسمة صباح بارتياح وتؤدي حركات وشقلباظات ويوجا وتمرينات. من أجلها شدت الرحال للهند وبلاد تركب الأفيال لتشرب وتتشرب اللعبة علي أصولها ومن أهلها. أنهت رحلة الطائرة.. لتكمل الطيران بأجنحتها.. فراشة ملونة تبث البهجة فيمن حولها. وتنثرها علي الأشياء.
تستأذن الكتاب قبل أن تفتحه.. وتبتسم للطعام قبل أن تأكله. تهدهد الدنيا بما فيها وترضاها وتأنسها.
سلمتها بيدي للعريس الذي اختارت.. سألني شغوفاً كيف صنعت تلك الخلطة من وداعة ورقة ومزجتيها بطموح وقدرة وغلفتيها بكل هذا الرضا والإيمان.
حمل
حملت ابنتي بطفلها الأول.. وتمنت أن تسير الأمور طبيعية. زاد الألم واشتدت الأوجاع.. فلا احتملت هي.. ولا قدرت الطبيعة علي الحضارة بحلولها القاطعة ومشرطها وتخديرها ورائحة البنج. والغياب عن الدنيا وإخراج طفل.. بالدم وشق اللحم الحي.
وحين سألوها عن اسم الولد.. نطقت مع سبق الإصرار.. رحيم.
أرادت أن تهدي الحياة رجلاً.. رحيماً. علي أمل أن يكون وقالت وهي في غفوة المخدر.. تناجي الخالق وتتمني وتتيمن.. ليتني آراه رحيماً بي كتلك الرحمة التي في قلب أخي لك يا أمي.
رضاعة
نعم سيكون بمشيئة الخالق.. ويا ابنتي وكل أم.. أرضعيه حناناً قبل قطرات اللبن. لا تنشغلي بشاشة.. ألقي بالمحمول ولا تنظري لتليفزيون.. لا تحادثي أحداً ولا حتي بالرد.. لفيه بحواسك كلها.. لحظة الرضاعة من أروع ما تعيشين لا تفقديها.. غني له بلسانك وأنظري له بعيونك وداعبيه بيدك وضميه لصدرك.. امنحيه الأمومة تنمو أطرافه ويكبر قلبه علي حبك وحب الدنيا.. سلميه أحاسيسك.. تسقيه سلاماً.
حين سألوني يا ابنتي عن أجمل لحظة في حياتي.. فأمتعها علي الإطلاق حين تمر يد رضيعي بالصدر تستحثه أن يأتيه بقطرة حياة فيأتمر الصدر لأمره.. ويحن ويفرز.
وتمتم الشفاه سبحان الله. عيشيها مع الضنا.. يا ضنايا.. تمنحي وترحمي.. والراحمون يرحمهم الرحمن.. وتهبي دنيانا.. بإذن الله.. رحيماً.
ماما
الآن يا حبيبتي صرت أماً.. ستحبينني أكثر.. وستعرفين كم أحببتك.. وستجدين إجابة لكل ما سألتيني أو خبأت في قلبك من أسئلة.
ستعرفين لماذا كنت تجدين قطعة الشيكولاتة الملفوفة في شنطتي لأني لم أجرؤ أن آكلها حين قدموها لي.. وتركتها لك.
وأني لم أكن شبعانة حين تركت لك هذا الطبق. ولا أنا أكلت في المطبخ كما ادعيت عندما وضعت نصيبي في فمك. وستدركين كم كنت سعيدة حين لبست بلوزتي و ستقدرين سندة يدي علي الحائط في الفجر وكأني كائن يسير علي الجدران.. حين انقسم الظهر مني وفشل في حملي لأعد لك ساندويتش المدرسة والشنطة وأكوي المريلة.
قصة
ستشعرين لماذا كنت أبكي.. وحين تدخلين أمسح دموعي وأدعي أنها بطلة القصة التي أقرأها تتعذب.. وأنها لا تستطيع الفرار من بين الورق الجاف الذي يطويها لدرجة الاختناق. لأن حروفاً حبيبة بنقاط صغيرة موجودة بين الجلدتين.. وبقدر ما انتفضت لشوك قنفذ منحتك لمسات من مخمل.
ولماذا تركت مغارتي للعصابة تسطو عليها.. فمجوهراتي الحقيقية لم تكن فيها.. إنها أنت وأخوتك.. وستأتي مرجانة لتحرق يوماً المعتدي.. فالقصة أبطالها أنتم ونهايتها السعيدة.. بكم.. ولكم اكتملت.. وصرت يا ابنتي أماً وعرفت لماذا.. احتملت.