سحر عزام تكتب: النار تأتي من العدم... ماذا يحدث في برخيل؟


في قلب صعيد مصر، بقرية برخيل، مركز البلينا في سوهاج، حيث هدوء الحياة، دون ضوضاء المدن وتوترها.
هنا كانت الحياة بسيطة جدًا، الموارد محدودة، الترفيه شبه منعدم، لكن قلوب أهلها عامرة بالرضا.
كنت دومًا أشعر بالفخر لانتمائي لهذه القرية، فهناك بيت أبي، الذي يقع في منطقة زراعية هادئة، فيها كنت أتأمل الجمال الرباني والمنظر الطبيعي، وأشعر بالهيبة والقوة والإلهام، وأحمد الله أنني من هذه الأرض التي يتمتع أهلها بالطيبة وحسن الخلق.
لكن، فجأة... تبدّل الحال، الهدوء تحوّل إلى ضجيج، والسكينة صارت فزعًا.
نيران بلا سبب واضح التهمت المنازل، وأحواش الفلاحين، وحتى المحاصيل والمواشي.
سقط أول ضحية، رجل بسيط يُدعى سعد الدين، حاول السيطرة على الحريق لحماية بيته ومصدر رزقه، لكنه لقي مصرعه، وأُصيب آخر.
ثم بدأت الحرائق تتوالى... بيتًا بعد بيت، ويومًا بعد يوم.
بات الخوف سيد الموقف، والرعب يملأ القلوب.
سكان برخيل يصرخون مناشدين المسؤولين:
"أنقذونا... أنقذوا برخيل من الحريق!"
وقد استجاب المسؤولون، وتدخل رجال الدين، حيث بعث الأزهر وفدًا رسميًا للتضامن مع الأهالي، ودعمهم نفسيًا ومعنويًا.
لكن الغريب أن الحريق اشتعل في أربعة منازل أثناء وجود الوفد، دون أي سبب منطقي!
كثرت الأقاويل، وتضاربت الروايات ما بين خرافات... ووجود لعنة فرعونية!
منهم من قال إنها أعمال الجن، ومنهم من تحدّث عن لعنة الفراعنة، وأن مجموعة من الأشخاص قاموا بفتح مقبرة فرعونية، فحلت عليهم اللعنة وحرقت القرية.
حيث تقع برخيل بالقرب من عرابة أبيدوس، وهي منطقة أثرية تُعرف باسم "العرابة المدفونة"، لدفن الكثير من آثارها تحت الرمال، وبها معابد ومقابر ملكية تعود إلى عصور قديمة.
وسط هذه الروايات والخرافات، خرج محافظ سوهاج، عبد الفتاح سراج، لينفي كل ما يُقال من شائعات حول الجن والعفاريت وغيرها، ويستند إلى العلم والمنطق.
وأوضح أن لجنة فنية مختصة توصلت إلى أن السبب في هذه الحرائق هو تفاعل غاز الميثان، والغازات المنبعثة من مخلفات المواشي في الأماكن المغلقة والمهجورة، مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يؤدي إلى اشتعال تلقائي.
وأكد أن المحافظة تعمل على احتواء الأزمة، بتواجد سيارات الإطفاء والإسعاف، وتقديم المساعدات العاجلة.
وما بين الخرافات والمنطق... تبقى الحقيقة ضائعة، وهي ما نحتاج إليه... فهل نجدها قريبًا؟
وأذكر جيدًا أنني شاهدت حادثة مشابهة في عام 2004، حين اندلعت حرائق مماثلة في نفس القرية، وإن كانت بشكل محدود.
كنا نسمع من الكبار أن هناك طائرات تُلقي كرات نار على البيوت لحرقها، وبأن القرية مستهدفة.
كنت أراقب السماء بعيون قلقة يملؤها الخوف:
هل ستأتي الطائرات لتحرق بيتنا؟
لماذا نحن؟
لماذا قريتنا دون غيرها؟
ومَن هؤلاء؟
وما الذي ارتكبناه نحن ليكون مصيرنا الحرق؟
ظلّت الحرائق تشتعل وتخمد، ثم اختفت فجأة كما ظهرت، وظل السبب مجهولًا حتى اليوم.
والآن أعود لأسأل:
ما هو مصير أهلي هناك، بعد ما تحولت حياتهم الهادئة إلى سلسلة من الحرائق المستمرة والمتكررة، التي اندلعت في منازلهم وأحواشهم ومحاصيلهم دون سابق إنذار، ودون سبب منطقي؟
وما هو الدور الذي يجب أن يقوم به كل مسؤول؟
ما الذي يمكن أن نفعله؟
كيف تُنقذ قرية يملؤها الغموض؟
كيف نلبي استغاثاتهم المستمرة؟
"أنقذونا... أنقذوا برخيل!"
هل سنقف مكتوفي الأيدي أمام مطلبهم البسيط في حياة آمنة، خالية من الخوف والرعب؟
كل من هناك ينام في فزع وقلق، ينتظر منقذًا لا يأتي...