فاطمة عمر تكتب.. شدة وتزول يا احبابي
كان سلاحًا فتّاكًا.. كانت كلمة في أغنية أو مشهد في فيلم ومسلسل ومسرحية أو بيت في قصيدة أشبه بطلقة رصاص تستقر في قلب كل من عادى أو اعتدى.. إنه الفن العربي.. كان الإبداع عابرًا للحدود يُسمع دويّه في كل مكان.. يقف حائط صد كصدور الجنود البواسل في وجه أي عدوان على أرض أو تشكيك في حق أو تشويه لتاريخ أو طمس لهوية، ولم يكن هذا من أجل منافسة فنية أو سباقًا أو محاولات لإظهار مواهب بل كان موقفًا فكريًا وعقيدة راسخة في الوجدان قبل الأذهان يعكس إلى أي مدى كان الفن مساندًا لفكرة الانتماء لوطن له عزته.. لقضية لها قدستها.. لأمة لم يكن قد أصابتها الفرقة ومزقها الخلاف.. رافضًا لمجتمع دولي الكيل بمكيالين بالنسبة له مبدأ ووسيلة.. متحديًا لكل قيد تفرضه دول عظمى في نهب الثروات وزرع الفرقة وإشاعة الفوضى ومساندة قتلة الأطفال وتشريد أصحاب الأرض
وكانت القضية الفلسطينية في القلب من هذا الإبداع فمنذ أن زرعت تلك النبته الشيطانية في الأراضي المقدسة والفن كان الأكثر تأثيرًا وسرعة في دعم القضية ومساندة أهلها في إثبات حقهم وصحة موقفه.
فعلى سبيل المثال عام 1949 قدم الشاعر الكبير عمنا بيرم التونسي منولوج شدة وتزول يا ـصحابي شدة وتزول يا أحبابي غناء وألحان الفنان الرائع خفيف الظل والروح محمود شكوكو وقدمت السنيما فيلم فتاة من فلسطين في نفس العام تقريبًا ثم توالت الأعمال الفنية المناصرة والداعمة للقضية.
وهذا يثير بداخلنا علامات استفهام تزيدنا حيرة وعلامات تعجب تملؤنا دهشة وتزدحم رؤوسنا بأسئلة لا تستوعبها الصفحات.. أين الفن العربي وأثره مما يحدث في غزة ولبنان الأن؟! ألم تكن مشاهده القاسية على كل نفس وعقل وضمير كافية لنزول وحيّ الإبداع على عقول المبدعين ومشاعرهم كي يقدموا عملًا فنيًا على نفس مستوى قوة هذه الأحداث وقسوتها ؟!.
لماذا باتت مباراة لكرة قدم - مع كامل احترامي لها كلعبة وعلى أهميتها – في بطولة محلية أو اقليمية أو دولية مثيرة للمشاعر فرحًا لفوز وحزنًا على خسارة.. مجمعة للشمل تشغل بالنا وننفق الملايين احتفاء واحتفالًا بمباراة نهائية.. مجالًا للتنافس في بوست أو تعليق.. ولا يُقَدم ابداعًا فنيًا مساندًا للقضية بنفس درجة الاحتفال والاحتفاء وبذخ الإنفاق ؟!.
لماذا لم نعد كالسابق نجعل من إبداعنا سندًا قويًا وعونًا لا ينضب معينه لأطفال ونساء لم يجنوا شيئًا سوى التمسك بأرضهم وعرضهم وهويتهم ذلك الابداع الذي كثيرًا ما سابق السياسة وتفوق ؟!.
لماذا لم يعد فينا ناجي العلي فيلمًا والتغريبة الفلسطينية مسلسلًا وزهرة المدائن والحلم العربي والأرض بتتكلم عربي أغنيةً ولحنًا؟!.
عذرًا كل طفل يقاوم برد الشتاء ورصاص المحتل بجسد عارٍ قُتلت طفولته روحًا وجسدًا على يد عدو لا يستأسد إلا على المدنيين العزل، عذرًا كل أم ملأت حسرة الحزن على فقد غالٍ قلبها وأيامها، عذرًا كل شهيد سالت دماؤه الطاهرة على أرض مقدسه.. لقد تناساكم إبداعنا ورغم ذلك وكما قال ناجي العلي التحدي قائم والمسؤولية تاريخية.