د. عصام عبد الصمد يكتب.. ارحموا أرحام نساء مصر من الولادة القيصرية


مارست وما زلت أمارس الطب في تخصص التخدير والرعاية المركزة وعلاج الآلام في مستشفيات بريطانيا وأمريكا والسويد وسويسرا وهولاندا والسعودية وأماكن أخرى من العالم منذ أن غادرت مصر عام 1970.
طبيعة عملي تحتم تواجدي في غرفة العمليات لمدة ست ساعات كل يوم على الأقل، أي أكثر من 100 ألف ساعة عمل طوال سنوات عملي الماضية، اشتركت في كل العمليات الجراحية التي تخطر والتي لا تخطر على بال أحد، وهذا يعطيني الحق والخبرة أن أتحدث عن العمليات الجراحية بما لها وما عليها.
كل العمليات الجراحية مهما كانت وحتي البسيط منها، ومع التقدم الطبي والعلمي والتكنولوجي المذهل غير المسبوق، هذه العمليات لا تزال تحمل شيئًا من الخطورة، ومع أن الخطورة منها بسيطة للغاية، إلا أنه لا يصح لأي إنسان أو طبيب أن يقدم عليها إلا لأسباب طبية.
دعني هنا أذكر عملية بعينها وهي عملية الولادة القيصرية (C. section)، هذه العملية بالذات تُمارس في مصر وبشكل واسع جدًا، كأنها عملية خلع ضرس مسوس، أو أخذ شربة لعلاج الإسهال، وهي محببة جدًا لدى الكثير من الزملاء أطباء النساء والولادة، لأن دخل الولادة القيصرية برقبة خمس ولادات عادية خاصة أنها تأخذ من وقت الجراح ساعة واحدة على الأكثر، كما يستطيع الطبيب المعالج تحديد موعد العملية لأن الولادة الطبيعية لا موعد لها وتحدث في غالب الأحيان بعد منتصف الليل، مما يجبر الطبيب المعالج في بعض الأحيان السهر بجانب المريضة 7 أو 8 ساعات في عين العدو، ويجب على الجميع أن يعلم أنه يجب إجراء هذه العملية وقت الحاجة فقط، مثل حدوث مشاكل في الولادة، عدم نزول الجنين بسهولة، نزوله بالمقعدة على سبيل المثال، أو طول فترة الولادة، أو حدوث مشاكل على الجنين ممكن أن تهدد حياته للخطر، أو مشاكل في المشيمه أو الحبل السري، أو ارتفاع ضغط دم الأم، وغيرها من المشاكل، والكل يعلم أيضًا التأثيرات السلبية من جراء هذه الولادة على الجنين من صعوبة في التنفس وعلي الأم من مشاكل التخدير من حساسية أدوية التخدير وخلافه، أو النزيف، أو حدوث التهابات وتقيحات الجرح، أو إصابات مجري البول والمثانة، أو مشاكل في الرحم، أو التأثير على الولادات اللاحقة، كما ان نسبة الوفاة منها أربع أضعاف نسبة الوفاة من الولادة الطبيعية.
منظمة الصحة العالمية في تقريرها الأخير وضعت مصر في مصاف الدول المتقدمة جدًا في الترتيب في نسبة الولادة بهذه الطريقة، وترتيب مصر الثالث بين 150 دولة، تسبقنا في هذه المصيبة دولة الدومينيكان بنسبة 56%، ودولة البرازيل بنسبة 55%، ثم تأتي مصر بنسبة 52%، ويلّي مصر تركيا بنسبة 50%، ثم إيران بنسبة 48%، ثم الصين بنسبة 47%، المكسيك بنسبة 45%، وشيلي بنسبة 44%، وأقل دول العالم وأفضلهم في هذه الإحصائية هم فنلندا وأيسلندا والنرويج بنسبة 15% وهي النسبة المثلي التي وضعتها المنظمة، وبالمناسبة لقد وجدت أن أعلي نسبة عمليات قيصرية داخل مصر في بور سعيد بنسبة 75%، وأقل نسبة في سوهاج وهي 25%، ووجدت أيضًا أن العمليات القيصرية بالنسبة للولادة الطبيعية كانت 5% في عام 92، و7% في عام 95، و10% في عام 2000، وازدادت إلى 25% منذ عام 2014.
سيدي وتاج راسي وزير الصحة
أنا أعلم تمام العلم مدى حرصك ومدى خوفك على جيوب أطبائك، وهذا حقك، ولكن أرجو من سيادتكم أن تخاف أيضًا على أرحام نسائنا.