أمينة خيري تكتب.. ثمن العيال
في مقال «من الهامشية إلى الإنتاجية»، تطرقنا إلى مسؤولية الدولة عن تقديم تعليم حقيقي للقوة البشرية «المنظمة»، (أى التي لم يتم إنجابها اعتباطًا)، ثم يشارك القطاع الخاص بالتدريب والتمويل بشكل يخدم استثماراته، بالإضافة إلى القيام بدوره في توفير الجانب الأكبر من فرص العمل بدلًا من أن تكون القوة البشرية عبارة عن عيال يتم ضخها بغرض العمل في المهن بالغة الهامشية، التي تؤدى إلى توريث الفقر من جيل إلى جيل، لا توريث العلم أو العمل أو الفائدة لنفسها أو مَن حولها.
بعد أيام قليلة من نشر المقال، أعلنت الدولة عن مبادرة الحوافز المادية، التي تهدف إلى الارتقاء بالخصائص السكانية، والمتمثلة في ألف جنيه سنويًّا لكل سيدة تكتفى بطفلين لا ثالث لهما، على أن تحصل على مجموع المبلغ بعد بلوغ سن الـ45، وهى السن التي غالبًا لن تسمح لها بمراوغة الحكومة وإنجاب المزيد. وكما هو متوقع، انتشرت أخبار المبادرة انتشارًا كبيرًا على مدار الأسبوع الماضى.
الناس لا يشيرون إليها بمبادرة الارتقاء بالخصائص السكانية أو تحسين نوعية القوة البشرية أو الاهتمام بالجودة وليس الكمية، لكنها أصبحت تُعرف شعبيًا بـ«الألف جنيه».
وهذا متوقع. لكن أعود للمطالبة بالدق على أوتار الخصائص باستمرار لأن الحديث الدائر بين الناس لا يمت بصلة للخصائص من قريب أو بعيد. ما يجرى هو حسابات على «الموبايل» تتعلق بالمبالغ المتوقع جنيها بعد بلوغ السيدة سن الـ45، تمامًا كما حدث قبل سنوات حين كان البعض منّا يحسب نصيبه من «الأموال المنهوبة»، ويفكر في كيفية صرفها!.
وأزيدكم من الشعر بيتًا، حيث البعض يحسبها حسابًا جهنميًّا، حيث لو أنجب أربعة أو خمسة عيال، وبدأ كل منهم يعمل في السوق إياه في سن العاشرة أو الـ11، فسيدر هؤلاء على الأسرة مبالغ غالبًا تفوق تكلفة إغلاق ماسورة الإنجاب!.
هذا ثمنهم وكلفتهم وجدواهم. ولا يسعنى سوى الإشارة إلى الخطاب الدينى، الذي تملّكنا على مدار عقود، والمستمر بشكل واضح وصريح في الدق على القشور والمظاهر، مع نشاط كبير خلف الأبواب المغلقة وعلى الأثير العنكبوتى لضمان حمل المصريين راية الرجعية والتزمت، بعدما نبذها مبتكروها.
هذا الخطاب المُصِرّ على إحكام قبضته على العقول، ومعها الرقاب، لو كان قد وزع محتواه بشكل أكثر توازنًا بين قيمة الإنسان من حيث العمل والنظافة والسلوكيات والعلم والتعليم من جهة وبين ضرب المرأة بالمسواك ودخول الحمام بالرجل الشمال والأسلوب الأمثل لترديد دعاء درء الفقر والدعاء لغير المسلمين والإغراق في تحديد سمك الجوارب، التي يرتديها هذا الكائن العجيب المسمى «المرأة» لكان حالنا اليوم أفضل ألف مرة.
مبدأ الارتقاء بالخصائص السكانية، الذي تحدثت عنه وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، الدكتورة هالة السعيد، لا ينبغى أن يمر مرور الكرام، بل لا ينبغى أن يمر أصلًا، عليه أن يبقى ويصل إلى كل أهالينا.
