ماجدة موريس تكتب: هند رجب صوت يهز العالم


في العام الماضي، رحلت هند رجب مع خمسة من أفراد عائلتها كانوا معا داخل سيارة في رحلة بحث عن مكان آمن بعيدا عن حرب اسرائيل عليهم ،لكن جنود جيش الاحتلال اكتشفوا السيارة ،وظلوا يقصفونها حتي توفي الكبار واستمرت الصغيرة هند فقط تنادي الناس لأنقاذهم ،وحين وصلت سيارة الهلال الأحمر الفلسطيني الي المكان ،لم يتركها جنود الاحتلال ايضا ،وقتلوا من فيها قبل ان تقوم بأي مهمة ،وظلت هند تصرخ وحدها ،،هذه الحكاية المؤلمة تداولها الكثيرين في العالم بعد ان استطاع بعض الصحفيين الفلسطينيين الوصول اليها، ولتصبح هند رجب نموذج لطفلة عاشت ما لم يعشه غيرها من أطفال العالم لكن قصتها لم تنتهي لان هناك من رفض هذا ،وهي المخرجة (كوثر بن هنية ،) وهي مخرجة تونسية مهتمة بالقضايا الكبري التي تمس البشر ،وتضعهم في موقف الضحايا دائما تجاه الاحداث الكبري ،ولقد بدأت كوثر بن هنية علاقتها بالسينما منذ دراستها في معهد الفنون والسينما في بلدها ثم أكملت الدراسة في باريس قبل ان تبدأ بالأفلام القصيرة بفيلم (أنا وأختي والشئ )،وبعده فيلمان قصيران ايضا قبل ان تقدم (شلاط تونس ) عن شاب يعتدي علي الفتيات في الشارع ،وبعده (علي كف عفريت )،وبعده (الرجل الذي باع ظهره )والذي عرضه مهرجان الجونة عام ٢٠٢٠ ،ويدور حول شاب سوري ترك بلده الي لبنان بسبب الحرب ويقع في ورطة تفقده حريته ،اما (بنات ألفة ) الذي أخرجته عام ٢٠٢٣فقد قدم قصة واقعية صعبة لام تونسية لأربعة فتيات مراهقات هربت اثنتان منهما الي ليبيا للانضمام الي تنظيم الدولة الاسلامية (داعش )وهو ما جعل الام تصرخ وتسأل دولتها لماذا تركتهما ،ولم تفلح محاولاتها للذهاب والبحث عنهما في ليبيا ،وقد أثار (بنات ألفة )ضجة كبيرة وحصل علي جوائز كثيرة أهمها السعفة الذهبية لمهرجان كان مناصفة مع فيلم ثاني ،ليأتي بعده (صوت هند رجب )ليثير نفس الضجة ،وليستفز أنظار السينمائيين قبل ان يراه بقية العالم ،بعد حصوله مساء السبت الماضي علي جائزة لجنة التحكيم وهي الجائزة الفضية لمهرجان ڤينيسيا السينمائي الدولي اعرق مهرجانات العالم .
السينما بين الواقع والحقيقة
هل اخطأت كوثر بن هنية للجوئها الدائم الي القضايا الشعبية والواقعية في افلامها؟ وهل التفاعل مع مآسي البشر من خلال الفن هو نوع من المزايدة ؟ انها اسئلة تخص اتهام وجه للمخرجة لانها تختار هذا النوع من القصص لاجل الضجة ،والنجاح ،ولكن ،،هل تقديم هذه الاعمال سهل اكثر من تقديم فيلم عن قضايا المجتمع العادية كالحب والهجر مثلا ؟ ولماذا لا يطرح السينمائيون القضايا المختلفة والمعبرة عن وجع الاغلبية من البشر كما فعل البعض وبينهم هذه المخرجة الرائعة ،وفي هذا يقول الناقد محمد رضا في مقاله عن الفيلم (ان الثابت انه -اي صوت هند رجب -فيلم الساعة وسيبقي كذلك لأمد بعيد لان الوضع في غزة بات طرحا عالميا بين الناس والأنظمة علي حد سواء،لكن الجزء الاهم والأكبر هو الطريقة التي اختارت فيها المخرجة معالجة موضوع الفتاة هند رجب ،التي تداول العالم مأساتها عندما قصفت القوات الإسرائيلية السيارةالتي كانت تنقلها وأقاربها ،لا تعرض المخرجة ما حدث كسرد قصصي،بل تضيف اليه ثنايا ودقائق الحدث نفسه لتكشف عن الواقع الكبير لمحنة غزة ،ومن فيها،من خلال موقع واحد ،وهواتف متبادلة. )ويمضي الناقد الكبير في تحليل الفيلم مؤكدا بان الدراما ليست فقط في محاولة إنقاذ الفتاة التي تكومت جثث الضحايا فوقها في السيارة،بل في أيدي مركز الهلال الأحمر في رام الله الذي يتلقي رسالة تليفونية عن قصف السيارة وطلب بالتحرك لإنقاذ الفتاة (التي قدم الفيلم صوتها فقط ) وبناء علي البلاغ ،يصبع علي المركز ان يتعامل مع سلسلة من القوانين والقواعد للذهاب الي الفتاة ،الضحية ،بما في ذلك التعامل مع الجيش الاسرائيلي الذي ارتكب المجزرة ! ويختتم محمد رضا مقاله عن الفيلم في جريدة (الشرق الأوسط )بأن صوت هند رجب هو (فيلم بسيط التكوين عن حكاية حقيقية موثقة ومسرودة بصدق ،،لا ريب انه من ناحية اخري ينتهز الحادثة لصالحه ،لكن هذا لا قيمة له امام ما يعرضه .) نعم الفيلم انتهز الحادثة لصالحه ،ولكنه لم يخترعها،وانما قام بها جيش الاحتلال الذي منع الصحفيين بعدها من التواجد في غزة حتي لا يفضحون ممارساته ،وبقتل اكبر عدد من الصحفيين من ابناء غزة لانهم كتبوا عن ممارساته ، وأظن ان الايام والسنين القادمة قد تتيح لنا رؤية المزيد من الافلام عن احداث غزة بعد صوت هند رجب .