منى نشأت تكتب.. ”مياو“


أحاول الكلام فأتعثر.. أشير فأرتعش.. أنبه من أمامي فأرجع للوراء.. كل هذا بعد أن وقعت عيني عليها، هذه السوداء التي تتحرك ببطء مقزز وكأنها تقصد ألا تغيب عن عيني، والتي وصفها المثل "بأنها تقول لأولادها علي الحيط يالولي مربوط بخيط"، لم تشفع لها أمومتها عندي، فتلك الخنفساء ستعوق دخولي إلي مكتب الصحة ومن الضروري وصولي لحقنة مصل ضد خربشة القطة.
المكان صحراوي لا يسمح بنمو أخضر مع بعض حجاره متناثرة وعلي البوابة الحشرة تحاول الإختباء تحت حجر فتجد نفسها خرجت من ناحيته الثانية، والمشكله أنها تحتل المدخل المؤدي لتلقي المصل.
تسمرت مكاني بالخارج، حالة من إشمئزاز مخلوط بخوف وصل للهلع، ومن موروثات تؤكد أن الخنفس خادم العقرب يرسله لاستطلاع الأحوال والطقس، فإن كان الجو ممطرًا وإتخذ العقرب قرار البيات الشتوي، أما الجو المعتدل فيعني خروج للدغ.
في القري والأزقه حين يري الأطفال الخنفساء يبصقون عليها، وعاده لا يعرفون أصلها، والحقيقة انهم يوهمونها أنه المطر حتي لا تخرج العقرب وله حول العالم ٢٠٠٠ نوع اتصوره بمقدمته التي تشبه الكماشه، وعيونه الخمسه، وأتسائل هل سيخرج ذكر بذيله الأطول يلعب به أو أنثي ستفتك به بعد التزاوج؟.
"علي الباب"
سيارة توقفت بجانب البوابة خرج منها مجموعة أطباء وطاقم تمريض.. مروا ولم يلاحظ أحدهم الحشرة اللعينة.
وحدي أراقبها من بعيد.. وهذه أم تجري برضيعها لتحميه بتطعيم، عيونها علي وليدها الكامن في صدرها.. وتتوالي الأمهات كل تركيزهن علي الضنا.. أم تتخطي خطوتها الحشرة وأخري تمر من جانبها، ولا أحد نظرته تحت أقدامه، فالهدف أسمي.
كلهن مررن بخادم العقرب لم ينتبهن لوجوده من أجل صحة أولادهن، فهناك خادمًا للحياه وهو "التغافل".
"عاقل"
نصف العاقل قدرته علي الإحتمال والنصف الثاني تغافل، وفي التغاضي سلامه للنفس والبدن.
الإمام أحمد إبن حنبل يقول أن تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات، ورسول الله صلي الله عليه وسلم يعلمنا أدب التعامل: لا يبلغنا أحد عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج اليكم سليم الصدر، نعم لا تخبروني بحديث كراهيه.. فقط وافوني بمن يحبني، والآية الكريمة تصف تغاضي سيدنا يوسف" فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم".
"علاقات"
كم من علاقات كانت ستستمر لو تمتعنا بفضيلة التغاضي عن الصغائر، فمن ثمرات التغاضي دوام الصله، وأول حكمه تعلمناها في الصداقة، "إن كنت في كل الأمور معاتبا صديقك، لن تجد الذي لا تعاتبه".
ولو فتحنا أبواب البيوت لزاد اليقين بأن أسلوب اليهود في البحث عن البقرة يزيد الأمر تعقيدًا.
للزوج علي زوجته الود الواضح أمامها، وللزوجه عليه حسن العشرة وما تراه من أفعال، أما ما نراه علي صفحات الحوادث، زوجه تراقب محمول زوجها وزوج يتلصص علي حوارها مع صديقتها، وأمور التجسس والتحسس علي مواطن الأخطاء تدمير للبيوت والنفوس، وقد تشكو هي لصديقتها هَمًا وتعود صافية نفس.
"التغاضي عن الصغائر من شيم الكبار"
ليتنا نغض الطرف عن الهفوات و"الخنفسات" فمتابعتي للحشرة حال دون الوصول لمصل يحمي من توحش قطة ولم يعد لي سوي الدعاء بألا أصل للـ"نونوه".