عماد فرغلي يكتب: إعلام للأسف «بعضه دولاري الهوى»

من منا لم يسمع عن الموقف الوطني المشرف الذي قام به الفنان القدير الراحل محمود مرسي عندما كان يعمل بهيئة الإذاعة البريطانية في بداية حياته المهنية قبل أن يحترف التمثيل ، القصة قديمة لم يعاصرها معظمنا لكنها ذُكرت كثيراً في حوارات تلفزيونية وإذاعية ولقاءات صحفية ، وهذا ملخصها : أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 كان محمود مرسي يعمل مذيعاً بهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» وفي الوقت الذي كان فيه العمل بهذه المحطة حلماً لكل الاعلاميين العرب لما تتمتع به من إمكانات هائلة وتقنيات حديثة ولما توفره لمنسوبيها من وسائل تعليم وتدريب وتأهيل على أعلى مستوى ورواتب مغرية بالإسترليني ، اتخذ ممثلنا البطل قراراً شجاعا بالاستقالة من عمله وأعلن ذلك على الهواء مباشرة من مقر دولة العدوان ومن خلال منبرها الإعلامي المتحيز حتى لا يُجبر على نقل أخباراً مسيئة لوطنه وتحض على كراهيته، وقال كلمته التاريخية :

" هذه هى آخر حلقة أقدمها في هذه الإذاعة، حيث إنه لا يمكنني أن أعمل أو أقيم في دولة تشن حاليًا عدوانًا على بلادي، وتلقي بقنابلها على أهلي في مصر، ولتلك الأسباب أقدم استقالتي على الهواء، وسوف أعود إلى بلادي أقاتل بجانب أهلي، أعيش معهم أو أموت معهم "

ولم يكن مرسي وحده الذي تقدم باستقالته من هذه المحطة فقد فعلها العديد من زملائه المصريين العاملين معه في نفس الإذاعة أو في إذاعات أجنبية آخرى حيث مالت كفتا الوطنية والانتماء لديهم على كفتي الدولار والاسترليني والقوا جميعهم بالميكروفونات التي تدعو للعنف وتبرر العدوان وقتل المصريين في وجه أصحابها .

أين إعلاميينا اليوم من مثل هذه المواقف ، للأسف أصبحوا بعيدين عنها بآلاف الأميال إلا القليلين منهم ! فقد لعبت القنوات الفضائية التي تدفع بالدولار دوراً كبيراً في طمس هويتهم الوطنية يتلون ما يملى عليهم دون اعتبار لمصالح الوطن وأمنه واستقراره ، وبخبرتهم وبراعتهم يستطيعون التلاعب بمشاعر وعقول وقلوب بعض المواطنين لكنهم لم ولن يتمكنوا من التأثير على أغلب المصريين ففحوى رسائلهم مفضوحة وإن سطروها بحروف من ذهب ، لكن القلق من هذا السلوك الدولاري قائم ولابد من مواجهته قبل أن يتمادى خاصة بعد أن طال بعض الفنانين والرياضيين وأوساط ثقافية مختلفة وهذا ما نخشاه .

وإذا كنا نحتفل اليوم بذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة، نذكر بكل التقدير والاحترام إعلام مصر الحر الذي ساند هذه الثورة العظيمة منذ لحظاتها الأولى واستطاع أن يوحد كلمة المصريين وتصدير تأييدهم المطلق لجيش مصر الوطني وضباطه الأحرار إلى كل العالم وفي الحقيقة ماكان للثورة أن تنجح إذا كان إعلامنا المصري في ذاك الوقت متخاذل ، وبهذه المناسبة ندعو كل إعلاميينا الشرفاء للتصدي لكل ما يسيء لبلادنا من قبل الإعلام الدولاري وكل ما هو على شاكلته أو يسير على نهجه ، وننتظر من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام دورا أعظم في هذا الصدد وكل عام ومصر بألف خير .