مروة نايل تكتب: عيلة مزنوق حين تحوّل مرزوق إلى مزنوق!


في زمانٍ ليس ببعيد، كانت الإذاعة المصرية تُنادي كل صباح: "مع حلقة جديدة من عيلة مرزوق أفندي". كنا نسمعها ونحن نحتسي الشاي أو نمارس أعمالنا ، وكانت الحياة لها إيقاع منتظم، والطبقة المتوسطة تملك كرامتها وشرفها ولقمة عيشها بعرق جبينها لا بعرق أعصابها. مرزوق أفندي كان نموذجًا محترمًا لرجل الأسرة، يحاول حل مشاكله بحكمة وهدوء، ويجد دائمًا مخرجًا من الأزمات دون أن يختنق بالأقساط أو يفقد صوابه بسبب الفواتير التي أثقلت كل كاهل.
لكن فجأة، انطفأت الإذاعة، وتوقفت الحكايات، وخرجت "عيلة مرزوق" في إجازةٍ مفتوحة بلا عودة. وظهر على الساحة بطلٌ جديد، لا يعرفه أحد لكنه يشبهنا جميعًا: "مزنوق أفندي".
مرزوق أفندي، رحمة الله عليه، كان موظفًا بسيطًا لكنه مرتّب، يذهب إلى عمله صباحًا، يعود ليجد مائدة عامرة بالطعام، ويقضي أمسياته يناقش قضايا الأسرة بأريحية. كان عنده القدرة على التربية، لم يكن مضطرًا للجوء إلى "يوتيوب" ليفهم لغة أولاده، ولم تكن زوجته تطالبه بـ"الويك إند" في دبي ليستعيدا رومانسية الأيام الخوالي. كان الرجل يستطيع أن يوبّخ ابنه دون أن يسمع محاضرة من زوجته عن "الصحة النفسية للطفل" أو يشاهد تقريرًا على السوشيال ميديا يخبره أن رفع الصوت على الأولاد قد يؤدي إلى "عقد نفسية مدى الحياة".
أما مزنوق أفندي، فحالته يرثى لها! الرجل يستيقظ كل يوم ليكتشف أن الحياة رفعت سعر كل شيء ما عدا راتبه. يُشعل التلفاز صباحًا ليجد تقريرًا اقتصاديًا يؤكد أن "الأوضاع مستقرة"، ثم يخرج إلى الشارع ليواجه أسعارًا تجعله يشك أنه يعيش في دولة أخرى غير التي يتحدث عنها المسؤولون. يدخل السوق ليشتري كيلو طماطم، فيكتشف أن عليه الاختيار بين الطماطم والمواصلات، فلا كلاهما متاح في الميزانية.
مزنوق أفندي لا يذهب إلى عمله بحماس مرزوق أفندي، بل يذهب لأنه لا خيار آخر لديه. يعود إلى منزله مرهقًا، ليجد أبناءه غارقين في هواتفهم، وزوجته تتابع فيديوهات عن "الحياة في أوروبا"، بينما يتساءل هو كيف سيكمل الشهر دون أن يضطر إلى بيع هاتفه المحمول. لم يعد هناك جلسات عائلية دافئة، بل مجموعة أشخاص يعيشون تحت سقف واحد، لا يتواصلون إلا عبر "الواتساب".
في زمن مرزوق أفندي، كان الأب يحظى ببعض الهيبة، والكلمة الأخيرة له، والأم كانت ربة منزل تهتم بأدق تفاصيل الأسرة. أما في زمن مزنوق أفندي، فالأب هو آخر من يعلم، والأم تحاول أن تكون "كوول" حتى لا تصبح "أوفر"، والأبناء يعيشون في عوالم افتراضية تجعلهم أقرب إلى "التريندات" من آبائهم.
زمان، كان الأطفال يتعلمون القيم في المنزل، أما اليوم فهم يتعلمونها من "تيك توك". زمان، كانت المشاكل تُحل بالحوار، واليوم تُحل عن طريق "فيسبوك ستاتس" مجهولة المصدر. تغير كل شيء، تفسخت الأسر كما تفسخت الطبقة المتوسطة، ولم يعد هناك وقت للتفاهم بين أفراد العائلة، لأن الجميع مشغول بمطاردة لقمة العيش أو الهروب من الواقع.
إذا كان "مرزوق أفندي" قد ودّعنا تاركًا وراءه دروسًا في القيم والمبادئ، فإن "مزنوق أفندي" لا يزال يُصارع، يحاول ألا يسقط من شرفة الحياة إلى الهاوية. لكنه يدرك أن الزمن لم يعد في صفه، وأن الطبقة المتوسطة التي كان ينتمي إليها أصبحت مجرد ذكرى جميلة مثل المسلسلات الإذاعية القديمة.
ربما حان الوقت ليخرج "مزنوق أفندي" من الإذاعة إلى التلفزيون، ويُقدَّم كعمل درامي يتحدث عن الرجل الذي حاول أن يكون "مرزوقًا" في زمن لم يعد فيه مكان سوى للمُعدَمين!