د. أحمد صالح يكتب.. الأضرار الناتجة عن نثر رماد الموتى في الأنهار

لاني شعرت ان الناس لم يفهموا جيدا خطورة نثر رماد الموتى في المياه واعتبروا ان نثر الرماد قد يدر ملايين الدولارات وذلك عقب قصة السائح الذي اراد نثر رماد جسد امه في النهر امام ابو سمبل ولذلك قررت كتابة بوست عن هذا الموضوع وهو من واقع دراساتي وتخصصي يعتبر نثر رماد الموتى في الأنهار ممارسة شائعة في العديد من الثقافات والأديان حول العالم وعلى الرغم من أنها تحمل دلالات روحية أو عاطفية للكثيرين إلا أنها قد تتسبب في أضرار بيئية واجتماعية تتطلب التأمل وفيما يلي تحليل لأهم الأضرار المحتملة المرتبطة بهذه الممارسة:

1. الأثر البيئي
يحتوي الرماد على مجموعة من المعادن والعناصر الثقيلة وفي بعض الأحيان مواد كيميائية نتيجة العلاجات الطبية أو التحنيط وعلى الرغم من أن رماد البشر لا يعتبر سامًا بكميات صغيرة إلا أن نثره بكميات كبيرة يمكن أن يسهم في تلوث المياه وتُعتبر الأنهار أنظمة بيئية حساسة وأي مادة غريبة قد تؤثر سلبًا على توازن هذه البيئة.

قد يحتوي رماد الجثث على عناصر مثل الزئبق خاصة من حشوات الأسنان أو العلاجات الطبية والزئبق يعتبر خطيرًا لأنه يتراكم بيولوجيًا مما يعني أنه يتجمع في الكائنات الحية بمرور الوقت وينتقل عبر السلسلة الغذائية ما يؤدي في النهاية إلى تأثيرات سلبية على الحيوانات وايضا الإنسان.

يحتوي الرماد على نسبة عالية من الفوسفات، مما قد يؤدي إلى فرط التخصيب في الأنهار وهذا الأمر يتسبب في نمو مفرط للطحالب التي تستهلك الأكسجين عند تحللها مما يؤدي إلى انخفاض مستويات الأكسجين في الماء وظهور "مناطق ميتة" حيث لا تستطيع الكائنات المائية العيش.

نثر الرماد بكميات كبيرة في أماكن معينة قد يؤدي إلى تغيير في قاع الأنهار والموائل المجاورة وتراكم الرماد قد يغير درجة الحموضة في الماء مما يؤثر على الكائنات التي تعتمد على تلك البيئات.

2. الاعتبارات الثقافية والاجتماعية
تُعتبر بعض الأنهار مقدسة بالنسبة للمجتمعات الأصلية والمحلية وقد يُنظر إلى نثر الرماد في هذه الأنهار بدون فهم أو احترام للعادات المحلية كفعل من عدم الاحترام الثقافي فعلى سبيل المثال نهر الجانج في الهند يحمل دلالات روحية عميقة ونثر الرماد فيه يعتبر ممارسة تقليدية لدى الهندوس لكن الاستخدام المفرط للنهر لهذا الغرض يسهم في تلوثه ويؤثر على البيئة والصحة العامة.

في المناطق التي تُستخدم فيها الأنهار كمصدر لمياه الشرب أو للري الزراعي قد يثير إدخال مواد غريبة، مثل الرماد مخاوف صحية وفي المناطق المكتظة أو الصناعية قد يتفاقم تأثير الرماد مع غيره من الملوثات مما يؤثر سلبًا على جودة المياه المستخدمة من قبل المجتمعات القريبة.

تُستخدم الأنهار لأغراض متعددة مثل الترفيه وصيد الأسماك وممارسة الطقوس الدينية ونثر الرماد في مناطق يُستخدم فيها النهر للسباحة أو صيد الأسماك قد يسبب إزعاجًا أو ينشئ تصورًا بالتلوث مما قد يؤدي إلى صراعات بين المجموعات ذات المواقف المختلفة تجاه هذه الممارسة.

3. المسائل القانونية والتنظيمية
في بعض المناطق لا توجد لوائح واضحة تنظم ممارسة نثر الرماد في الأنهار مما يؤدي إلى التخلص العشوائي للرماد وهذا الافتقار إلى الإشراف قد ينتج عنه تراكم كبير للرماد في مناطق معينة خاصة في الأنهار الشهيرة أو ذات الأهمية التاريخية وعلى الرغم من أن حالة نثر واحدة قد تبدو غير ضارة فإن التأثير التراكمي على مدى الزمن قد يكون كبيرًا.

في العديد من الدول توجد قوانين صارمة بشأن إدخال المواد الغريبة إلى المسطحات المائية بما في ذلك الأنهار ونثر الرماد في الأنهار دون الحصول على التصاريح المناسبة أو دون مراعاة القوانين البيئية قد يؤدي إلى عواقب قانونية ويجب على الأفراد والمؤسسات التي تفكر في هذه الممارسة التأكد من فهمهم للقوانين المحلية والامتثال لها.

4. الاعتبارات الأخلاقية
توفر الأنهار بيئات حيوية للعديد من الكائنات بما في ذلك الأسماك والبرمائيات والطيور وإدخال رماد البشر إلى تلك البيئات قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على تلك الكائنات خاصة إذا تم نثر الرماد بكميات كبيرة أو بمرور الوقت ويثير ذلك أسئلة أخلاقية حول حق الإنسان في تعطيل تلك النظم البيئية الطبيعية من أجل أسباب شخصية أو ثقافية.

بينما يشعر العديد من الأشخاص بقوة تجاه الأهمية الروحية أو الثقافية لنثر الرماد في الأنهار فمن المهم التفكير فيما إذا كانت هذه الممارسة مستدامة على المدى الطويل ومع ازدياد عدد السكان وتزايد اختيار حرق الجثث قد يصبح التأثير التراكمي لنثر الرماد في الأنهار غير مستدام مما يثير تساؤلات حول كيفية التوفيق بين التقاليد والاعتبارات البيئية.

5. الحلول البديلة الممكنة
يمكن أن تكون إحدى الحلول للحد من التأثير البيئي لنثر الرماد في الأنهار هي إنشاء مناطق مخصصة لهذه الممارسة ويمكن أن تكون هذه المناطق بعيدة عن الأنظمة البيئية الحساسة أو مناطق مصادر المياه ويتم إدارتها بطريقة تقلل من الضرر البيئي.

يُعد استخدام الأواني القابلة للتحلل التي تتحلل بشكل طبيعي في الماء بديلاً عمليًا يتبناه العديدون وتم تصميم هذه الأواني لتذوب بسلام في البيئة دون إحداث ضرر بالنظم البيئية المائية مما يسمح بإعادة الرماد بشكل رمزي إلى الطبيعة.

بديل آخر هو إنشاء حدائق أو غابات تذكارية حيث يمكن دفن الرماد أو دمجه في التربة كجزء من مبادرات زراعة الأشجار وتوفر هذه الطريقة وسيلة معنوية لتخليد ذكرى المتوفى مع تقديم فائدة مباشرة للبيئة.

نشر الوعي بالأضرار المحتملة لنثر الرماد في الأنهار وتشجيع البدائل المستدامة يمكن أن يساعد في تقليل الأثر البيئي والاجتماعي لهذه الممارسة. ويمكن للقادة المجتمعيين ورجال الدين أن يلعبوا دورًا هامًا في توعية الناس بطرق أكثر استدامة لتكريم موتاهم.

6. دراسات حالتين حول التأثير الضار

أ. نهر الجانج (الهند)
يُعتبر نهر الجانج من أكثر الأنهار قداسة في الهندوسية لكنه أيضًا واحد من أكثر الأنهار تلوثًا في العالم وينثر الرماد بكميات كبيرة إلى جانب أشكال أخرى من التلوث أدى إلى تدهور بيئي كبير وتستمر جهود تنظيف النهر منذ سنوات لكن حجم المشكلة كبير مما يوضح الأثر التراكمي الذي يمكن أن يحدث نتيجة لممارسة نثر الرماد في نهر يستخدم بكثرة.

ب. منطقة البحيرات (المملكة المتحدة)
في منطقة البحيرات وهي موقع شعبي لنثر الرماد وأعربت السلطات البيئية عن قلقها بشأن التأثير طويل الأمد على جودة المياه وازدادت شعبية المنطقة كوجهة سياحية مما أدى إلى زيادة عدد الأشخاص الذين ينثرون الرماد في البحيرات وهو ما دفع إلى مناقشات حول الحاجة إلى تنظيم هذه الممارسة لحماية الطبيعة والتنوع البيولوجي في المنطقة.

وفي النهاية على الرغم من أن نثر الرماد في الأنهار يمثل ممارسة ذات معنى عميق للعديد من الأشخاص إلا أن الأضرار البيئية والثقافية والاجتماعية المحتملة تستدعي التوقف والتأمل من تلوث المياه وتضرر الحياة البرية إلى الصراعات مع المجتمعات المحلية وانتهاك القوانين البيئية وهناك العديد من العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار.

في ضوء هذه المخاوف قد يكون من الضروري البحث عن بدائل مستدامة أو الالتزام بتوجيهات أكثر صرامة لضمان استمرارية هذه الممارسة بطريقة تقلل من الضرر البيئي وتحترم حقوق الآخرين الذين يستخدمون الأنهار.