أحمد إبراهيم يكتب: النصب الطبي ومسئولية النقابة والوزارة
أنا حوابعد نشر مقالى السابق فى هذا المكان «أخصائى تغذية يلغى الصحة والطب»، تلقيت مئات الاتصالات والرسائل من الضحايا الذين تعرضوا للنصب بسبب البرامج الطبية مدفوعة الأجر وإعلانات الأدوية التى تطارد الفريسة «المواطن» ليلاً ونهاراً، جهاراً وحتى غرفة نومه.
والأمر لم يتوقف على ابتزاز أموال الضحايا الملهوفين على الشفاء مثل «الغريق الذى يتعلق فى قشاية» للنجاة وإنقاذه من الموت، ولكن وصل إلى الإضرار بصحة المريض المعتل، فهذه سيدة تحكى لى مأساتها مع أخصائى التغذية المحتكر للفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى، حينما ذهبت إليه فى عيادته المزدحمة جداً ولم تستطع مقابلته، ولكن أحد المساعدين له أعطى المسكينة وصفة من سم النحل والأعشاب والكركمين بـ8 آلاف جنيه تسببت لها فى مضاعفات فى الكبد والكلى كلفتها 150 ألف جنيه.
مثل هؤلاء النصابين من أخصائي التغذية والأعشاب والدجل والشعوذة الذين يمارسون مهنة الطب وإعلاناتهم تملأ الإعلام والشوارع والطرق والكبارى هم محترفون يعلمون كيف يصطادون الفريسة ويرتكبون جريمتهم دون أدنى مسئولية عليهم لأنهم لا يتقابلون وجهاً لوجه مع الضحايا، ولكن من خلال وسيط، ويكتبون الأدوية والوصفات على ورق كراسة بيضاء خالية من أى أسماء أو تليفونات أو أختام، ويرسلون الوصفة إلى المنازل، وليسوا أعضاء فى أى نقابة، ولذلك ضحاياهم لن يأخذوا منهم حقاً أو باطلاً.
هنا يأتى دور وزارة الصحة ونقابة الأطباء وجهاز حماية المستهلك والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، كل هؤلاء مسئولون.. ليس عن إنقاذ الفريسة من المجرم، ولكن عن إنقاذ سمعة الطب والإعلام المصرى، بل عن سمعة مصر كلها.
صحيح أن هذه الإعلانات يتم بثها من قنوات خارج مصر، ولكن النصابين داخل مصر والضحايا مصريون، كما أن المجرمين معروفون للأعمى والبصير، والدولة فى النهاية هى التى تتحمل تكلفة إزالة آثار الجريمة.
القضية الأخرى المهمة هى ترك الساحة الإعلامية لمثل هذه النوعية من برامج وإعلانات النصب الطبى فى ظل غياب تام للبرامج الطبية المحترمة التى تحذر المواطنين من هؤلاء النصابين وتمنع كوارثهم، وأيضاً تقدم ثقافة صحية من عظماء الطب المصرى، فالمفهوم السائد حالياً لدى المسئولين عن الإعلام أن تكون كل البرامج الطبية مدفوعة الأجر، وعدم ظهور أطباء إلا بمقابل، وهو مفهوم خطأ أتمنى تصحيحه، لأنه تسبب فى ترك المواطن فريسة للنصابين، ومصر فيها عشرات الآلاف من الأطباء المحترمين الذين يمارسون الطب بإنسانية ويتعاملون مع المريض بالرحمة، ولكن للأسف هؤلاء احترموا أنفسهم، وعزفوا تماماً عن الإعلام، بسبب فوضى البرامج الطبية المعلنة التى فتحت أبوابها لكل من يدفع أموالاً حتى لو كان نصاباً.
ما زالت أحلم وأتمنى أن تقوم نقابة الأطباء ووزارة الصحة والمجلس الأعلى للإعلام بمسئوليتها، وكذلك جهاز حماية المستهلك ومدينة الإنتاج الإعلامى والنايل سات وشرطة المصنفات الفنية، حتى يأتى اليوم الذى يتم فيه القضاء على النصب الطبى مدفوع الأجر، وتحل محله ثقافة طبية محترمة تسهم فى توعية المواطنين صحياً، وتساعد الدولة فى جهودها لإصلاح المنظومة الطبية والصحية.
من الممكن تحقيق إيرادات وأرباح من كل شىء إلا من الصحة والمرض والتجارة بالألم الناس.. والله الموفق والمستعان.